الشيخ / د. جاسم مهلهل الياسين
“من تواضع لله رفعه” حديث صحيح رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعته غير مرة من الدكتور / عادل صبيح أثناء زيارتي له لتهنئته على اختيار سمو ولي العهد له ليحمل أمانة وزارة الصحة أو حقيبتها -كما يقولون- فجاء قوله هذا مصدقا لعمله في استقباله وحسن ترحيبه، وعظيم كرمه، وبسطة وجهه، فكان متواضعا في سلوكه وتصرفه قبل أن يردد هذا الحديث الشريف مرات، مما يدل على أن صفة التواضع طبيعة فيه، لا يصرفه عنها صارف، لأنها ممتزجة بنفسه، مرتبطة بمشاعره، غير غريبة على سلوكه وتصرفه.
والتواضع الصحيح مبنى على الزهد بمعناه الحقيقي |
والتواضع الصحيح مبنى على الزهد بمعناه الحقيقي ذلك المعنى الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله الذي رواه عنه سهل بن سعد: “ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس”، إنه الترفع عن شهوات الدنيا وملذاتها، الترفع عن شهوة القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، التي تدفع بعض الناس إلى التكالب والتخاصم على الحطام الزائل، إنه الترفع عن شهوات الجنس وعن الأعراض، والابتعاد عن مواطن الشبهات، أو الإغراق في الملذات، فإذا أضيف إلى هذين ترفع ثالث عن الجاه والشهرة والسمعة والصيت، فقد اكتمل النصاب الذي يوجب التواضع في التصرفات، ولين الجانب للناس والبشاشة في وجوههم، وتحمل المشاق وبعض العنت في سبيل راحتهم وأمنهم واطمئنانهم.
وأحسب أن الدكتور / عادل الصبيح قد حاز من هذا الزهد قدرا، حقق به لنفسه التواضع الذي يرفع قدر صاحبه، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحد.
لقد عرفته من قبل، والتقيت به عند الدكتور / علي الزميع، الذي له في مدرسة المتواضعين مكان، فقلت: إن الطيور على أشكالها تقع.
ولسنا -بذلك- نغمط الآخرين حقهم من التواضع، وإن لم نعين أحدا منهم بالاسم، لأن للمدرسة الكويتية في التواضع نهجها ولها طريقها الذي تتبع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كانت الجارية تأخذ بيده إلى بعض طرق المدينة، لتطلب منه مطلبها أو تقص عليه شكواها وكان يلقى الطفل الصغير الذي يلعب بطائره فيقول له مدللا شفوقا محبا: يا أبا عمير ما فعل النغير …؟ ومدرسة التواضع الكويتية تجمع في حناياها وفصولها الشعب الكويتي كله ابتداء من سمو الأمير وسمو ولي العهد وانتهاء بأي فرد من أفراد الكويت.
هذا التواضع الدافع إلى مزيد من الحب والاحترام والتقدير، والذين رأوا كيف غمرت الفرحة الكويت كلها باستقبال سمو ولي العهد بعد عودته معافى إلى بلده وإخوانه الكويتيين يدركون أن هذا الحب إنما نما وترعرع من التواضع الذي برزت صورته واضحة جلية في استقبال سمو ولي العهد للمهنئين بعودته في ديوانه في قصر بيان.
فإذا كان هذا تواضع أصحاب النفوذ والسلطان فما بالك بغيرهم |
فإذا كان هذا تواضع أصحاب النفوذ والسلطان فما بالك بغيرهم، والحق أن التواضع في المدرسة الكويتية يمتد كذلك لأصحاب الثروات الكبيرة من التجار، فلا تراهم إلا متواضعين للصغير والكبير والغني والفقير.
وأذكر أني طلبت مرة واحدا من كبار الأثرياء في الكويت لأحدد معه موعدا لزيارته، ولكنه هو -تواضعا منه- أصر أن تكون الزيارة الأولى منه هو لا مني أنا .. وأمام هذا الإصرار تمت زيارته وما كدنا نحدثه عن أمر من أمور المسلمين وشأن من شئونهم حتى لباه وقضاه في دقائق معدودات، وذلك درس عملي في التواضع وخفض الجناح لا ينسى .. وكم من دروس ودروس في هذا المقام ذكرنا بها الدكتور عادل صبيح وهو يردد على مسامعنا أثناء زيارته “من تواضع لله رفعه”
وإننا نضع هذه النماذج الحية المترفعة عن مطامع الدنيا وعما في أيدي الناس فازدادت بذلك تواضعا أمام الحركة الإسلامية شيبها وشبابها وشيوخها وأفرادها، ليزداد المتواضعون فيها تواضعا على تواضعهم ويسلك سبيل التواضع الباقون، بحيث يتواضعون للناس جميعا، ويتواضعون لشباب الدعوة، ويتواضعون للصغير والكبير ويعملون على تقديم العون لكل محتاج، ويتوجهون بالنصح لكل شارد وغافل، ويعاملون بالحلم والرحمة كل فرد حتى الطائشين والمعاندين، ففي ذلك سبيل الرفعة، وبقاء المودة، واستمرار مصلحة الأمة.