بقلم الشيخ د.جاسم المهلهل الياسين
تبجح مرذول:
لا ينسى رئيس وزراء إسرائيل يهوديته التي يحاول من خلالها أن يسخر الآخرين لخدمة أغراض ومصالح إسرائيلية، فقد أخر اتفاق واي بلانتيشن عدة ساعات من أجل الوصول إلى شيء مُرضٍ في قضية “جوناثان بولارد” اليهودي الأمريكي الذي كان يتجسس لحساب إسرائيل والذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.
والغريب أن الإسرايليين -رغم علمهم بالحكم القضائي على جاسوسهم- إلا أنهم يستغلون المواقف السياسية للعمل على تجاوز هذا الحكم القضائي وإطلاق سراح هذا السجين ضاربين بحكم المحكمة عرض الحائط.
وتلك طبيعتهم من قديم، يبحثون عن مصلحتهم -وحدهم- ولو أضروا في سبيل تحقيقها بالآخرين “ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون”.
وهم يطالبون وما يزالون بالإفراج عن “عزام عزام” الجاسوس الذي كان يتجسس لحسابهم في مصر. دون نظر إلى القوانين السائدة التي لا تقبل من أحد أن يتجسس لحساب الآخرين، ولكن ذلك هو ما حدث من اليهود الذين يودون أن يثبتوا لكل من يخدمهم أنهم لا ينسون رجالهم، حتى ولو أجرموا في الأرض وتجسسوا على الآخرين، ونقلوا لإسرائيل أسرار الدولة العسكرية ودلوها على مواضع الضعف أو القوة عندها.
وإنه لتبجح مرذول أن تحاول إسرائيل استغلال ظروف معينة للهيمنة والتعدي على السلطة القضائية التي أصدرت حكمها على عملاء يخونون البلاد التي آوتهم ويكشفون عوراتها أمام إسرائيل التي تطالب ببقاء العورات مكشوفة وإضفاء نوع من البطولة على الخونة الذين يمزقون الأستار ويكشفون الأسرار.
تعميق الخلاف:
لقد أثبتت محادثات “واي بلانتيشن” أن الخلاف قد يقع بين إسرائيل وأمريكا، وأن هذا الخلاف قد يظهر إلى الوجود، ويكبر وينتشر، فقد نقلت مصادر إسرائيلية عن الرئيس الأمريكي كلينتون قوله لنتنياهو “أنت إنسان غريب وتصرفك حقير” ويقال إن كلينتون ألقى بأوراق كانت في يده في وجه نتنياهو عندما بلغ منه الغضب حده.
وصحيح أن هذا الخلاف لم يستمر طويلا ولم يتجاوز غير ساعات محدودة، لكنه يدل على نوايا كامنة قابلة للتفجر في وجه الإسرائيليين، الذين لا يكفون عن الابتزاز ولو وجدت الظروف المناسبة، وتغيرت قليلا درجة الضغط الصهيوني على الساسة الأمريكان لأمكن -فيما بعد- أن نوقف تيار التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل، وأن نكشف وجهة النظر العربية، ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا رصدنا أوجه الخلاف بين الطرفين بعين الفاحص، وعلمنا كيف نعمق هذه الخلافات، وكيف نباعد بين الطرفين.
وقد يظن البعض أننا نسترسل مع الخيال، وأننا نضرب في حديد بارد، لأن أمثال هذه الخلافات سرعان ما تزول.
ونظن أن الأمر ليس كذلك فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ثم ما تلبث هذه الخطوة تتكرر حتى يقارب صاحبها خط النهاية. وإذا بدأنا في تعميق هوة الخلاف بين أمريكا وإسرائيل واستغلها العرب الاستغلال الأمثل فإن ذلك يعني أن علاقتهما في المستقبل قابلة للانفصام والانفصال ولو على المدى البعيد، مما يسهل مهمة عودة الأرض والمقدسات.
وأحب أن أنبه إلى أن استغلال الخلافات بين الطرفين هو إحدى وسائل إحداث خلخلة في العلاقة المتماسكة بين الطرفين، وليس هو الوسيلة الوحيدة ولا الكبيرة لاسترجاع الأرض والمقدسات، لأن هذه لا ترجع إلا بقوة الجهاد التي يرضخ لها الجميع، وما الخلافات التي تحدث إلا عوامل مساعدة لإحداث الخلخلة المناسبة.