بقلم الشيخ/ د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين
الإخفاق في عقد الجلسة الطارئة:
الجلسة الطارئة التي تبنى بعض أعضاء مجلس الأمة الدعوة إليها، كانت لها مبرراتها القوية، فزيادة أسعار المحروقات وبعض الرسوم التي في طريقها إلى التحصيل تمس حياة كل الناس، وقد يتضرر منها البعض مما يستدعي مناقشة جهيرة في المجلس بين النواب، يقنعهم بضرورة اتخاذ مثل هذا الإجراء، أو يقنعون هم المسئولين بأن هذا الإجراء لم يكن له ما يسوغه ويبرره.
ولكن هذه الجلسة الطارئة يبدو أنها لن تنعقد ولن يحدث شيء مما يعلن البعض عنه في الصحف، خاصة بعدما تناقص عدد الموافقين على عقدها من بين النواب، فما يجعلنا نقول: إن النواب ومن ورائهم التكتلات السياسية لم يحالفها النجاح في عقد هذه الجلسة التي كان بعض الناس يعلقون عليها آمالا كبيرة. ويثير عدم النجاح هذا عندنا بعض التساؤلات: هل الحكومة محقة فيما اتخذته من إجراءات، وعندها قوة حجة لا يملك النواب تجاهها إلا التسليم والقبول؟
الإخفاق في عقد الجلسة الطارئة يفرض على التكتلات السياسية مراجعة موقفها بالنسبة لتقديم أي مشروعات معارضة في المجلس النيابي. |
هل هناك صفقات تعقد في الخفاء بين الحكومة والنواب؟
هل النواب مقتنعون بهذه الإجراءات، ويحاولون –فقط- إرضاء الناس بمعارضتهم لهذه الإجراءات معارضة صحفية؟
هل هناك ضغوط معينة تمارس حتى لا تتوقف الإجراءات؟
وأيا كان سبب الإخفاق فإن الأمر يحتاج إلى دراسة ومعالجة من القوى السياسية قبل طرح أي مشروع للمعارضة وإلا تعرض للفشل كما حدث من قبل بضع مرات. إن توالي الإخفاقات في المشروعات المعارضة التي تقف خلفها التكتلات السياسية تؤدي بغير شك إلى أن تفقد هذه التكتلات ثقلها وخاصة حين يتعلق الأمر بحياة الناس ومعيشتهم ودخلهم.
ولذا فإن من الضروري أن تدرس هذه التكتلات السبب الحقيقي وراء الإخفاق في هذه الجلسة الطارئة حتى لا تفاجأ بعد حين بأنها فقدت رصيدها الشعبي في الساحة الكويتية.
التدخل الإنساني:
يكشف النظام العالمي الجديد كل حين عن مخبوء مما في جعبته التي أعدها للدول الصغرى، أو العالم الثالث أو العالم النامي. فبعد تدخله العسكري في أكثر من جهة حين ضرب ليبيا، وضرب أفغانستان وضرب مصنع الشفاء في السودان، وصنع ما صنع تحت ضغط القوة أو التهديد بها في أكثر من جهة يحاول اليوم أن يضفي على تدخله في شئون الآخرين، واعتدائه على الدول الأخرى اعتداء تسوقه المطامح وتغلفه المصالح السياسية أو الاقتصادية، يحاول اليوم أن يضفي على ذلك التدخل طابعا إنسانيا، باختراعه نظرية التدخل الإنساني في شئون الآخرين، ومحاولته إضفاء الصفة القانونية عليها بموافقة الأمم المتحدة، حتى لا يكون للمستضعفين في الأرض حجة بعد ذلك، وهذا ما جعل الرئيس الجزائري / عبدالعزيز بوتفليقة يتساءل: هل من حق الدول الصغرى وكذلك الكبرى التدخل في شئون الآخرين وأين يبدأ وينتهي التدخل الإنساني والاستراتيجي؟ إن التدخل الاستراتيجي للدول الكبرى في شئون الدول الصغيرة عددا أو قوة وقدرة لا يمكن التمويه عليه بستار مضلل من الأنشطة الإنسانية.
ونحن في عالم اليوم يمتلك فيه الأقوياء القوة العسكرية والسيطرة الإعلامية والقدرة على توجيه الهيئات الدولية، ولا يملك فيه الضعفاء شيئا من ذلك، وتستطيع الدول الكبرى في ظل النظام العالمي الجديد أن تفرض سطوتها على أي بقعة في عالم الدول الصغيرة بحجة مكافحة الإرهاب، أو تحقيق عدالة الإنسان، أو المحافظة على أقلية عرقية أو دينية، أو غير ذلك من الحجج التي تظهر وتسوّق إعلاميا لتخفي من ورائها مطامع اقتصادية أو استراتيجية، حتى يبارك البسطاء والسذج هذا التدخل الذي هو لصالح الإنسان المستضعف في ظاهره، ولصالح الدول القوية أولا وأخيرا في باطنه، وأقرب النماذج الواقعية التدخل العالمي في كوسوفا، الذي أثمر عودة كثير من اللاجئين إلى أرضهم، وأثمر في نفس الوقت بقاء قوات هذه الدول لتهيمن على الوضع في كوسوفا، وتأخذ نصيبها من منطقة المناجم الغنية فيها والتي تقدر قيمتها بالمليارات، ولتقيم فيها الولايات المتحدة قاعدة عسكرية تكون نقطة ارتكاز في دول البلقان، وتكون عونا ومددا للقاعدة المقامة في شرق تركيا، وهذا بعض حصاد التدخل في كوسوفا مما ظهرت بوادره، وانكشفت أوائله، أما بقية المطامح والأغراض فإنها سوف تظهر تباعا ربما بعد سنة أو بعد عشر سنوات، فليس التخطيط عند هذه القوى يتم لسنة أو سنوات وإنما قد يكون لعقود كثيرة، ثم لا يكشف من هذا التخطيط –كل حين- إلا القدر اللازم الذي لا يثير النفوس، ولا يؤلب الشعوب. ولعل الولايات المتحدة أدركت أخيرا أنها لا تستطيع –وحدها- أن تستأثر بالغنيمة الكوسوفية، بعد أن تحملت العبء الأكبر في النفقات العسكرية فأعلنت –منذ أيام- أن على الدول الأوربية أن تتحمل إعادة إعمار كوسوفا، لأنها (الولايات المتحدة) تحملت أكبر العبء في الحملة العسكرية لكأتها تقول: إن المغانم على قدر المغارم، فادفعوا أيها الأوربيون شيئا في الإعمار لتأخذوا أشياء من الغنيمة.
تراجعات بعض المسئولين العرب الظاهرة أو الخفية سبب في نكبات كثيرة أصابت الأمة العربية والإسلامية. |
ولقد جاء موقف روسيا التي احتلت مطار كوسوفا واستقرت به وحوله، ورفضت الانسحاب مع القوات اليوغسلافية أو بعدها، وأصرت على موقفها، بل وجلبت عددا جديدا من قواتها إلى هناك مؤيدا لنظرية البحث عن الغنيمة والاشتراك فيها خاصة وأن روسيا تعرف جيدا هذه الألاعيب التي تجري في العصر الراهن من وراء ستار، وشاركت فيها منذ اتفاقية سايكس بيكو وما بعدها مرورا بعصبة الأمم ثم الحرب الباردة، ثم التدخل في كوسوفا، إنها تدرك جيدا أن كل ما تعلنه الدول الكبرى لا يمثل الحقيقة الكاملة، بل قد يناقضها في كل شيء، ولذا فإنها تسارع –رغم تقهقرها السياسي وتضعضعها الاقتصادي- لتتخذ لنفسها موطئ قدم في كوسوفا حتى إذا حل موعد تقسيم الغنائم لم تكن غائبة، حتى ولو أخذت القليل.
إن التدخل الإنساني المزعوم الذي يُسوّق الآن في أروقة المؤسسات الدولية، والذي تتحدث عنه الصحف على استحياء، سرعان ما سيصبح بعد حين حقيقة واقعة، تتخذه الدول الكبرى (مسمار جحا) كي تحقق لنفسها ما تريد في المناطق التي تريدها هي، وتتخلى عن مناطق أخرى أحوج ما تكون لهذا التدخل، فسياسية الانتقاء المحققة للمصالح ستكون هي المقياس الأول والأخير في مثل هذا التدخل، وهي سياسة واضحة للعيان الآن قبل صوغ مثل هذا القانون المشبوه، فالضغط الدولي على أندونيسيا جعلها تسمح بإجراء استفتاء لأهل تيمور الشرقية رغم مخاسرها الكبيرة من أجل ذلك، وجعلها ترضخ للقوة المتعددة الجنسيات فتسحب جيشها من هناك، وتسلم بالأمر الواقع وترضى به. بينما الهند المسيطرة على كشمير، والتي ظلت تقاتل بعض الثائرين أكثر من شهرين لا يحدثها أحد في قبول ما قررته الأمم المتحدة مرات من ضرورة إجراء استفتاء بين أهلها، ولا يضغط عليها أحد من أجل قبول ذلك.
ولسوف تزداد هذه الانتقائية في الاختيار بعد إقرار هذا القانون الجديد الذي يراد من الأمم المتحدة أن تمرره.
ويفرض هذا الوضع الجديد على بعض الدول العربية والإسلامية (وهي المستهدَف الأول من وراء هذا القانون) أن تولى عناية بالغة بتنمية الحرية فيها، ورفع القيود المكبلة لأفرادها وهيئاتها من الانطلاق والعمل في ضوء الحدود التي رسمها الدين وإتاحة الفرصة أمام الأفراد والمؤسسات الشعبية لأن تقوم بدورها في تنمية الوجدان الشعبي، وأن تعمل على إبعاد القوانين التي تعوق حركة الناس، وخاصة في المناطق التي لا يحتاج فيها لمثل هذا القانون.
والإسلام الذي يرعى كل من يقيم على أرضه ولو لم يدن به خير معين وهاد ومرشد في هذا السبيل. وما على الناس إلا أن تسترشد بالكتاب والسنة وأن تعمل بهما بحيث يظهر أثرهما توحدا في الاتجاه، وتعاونا في البأساء والضراء وصبرا وثباتا على المحن والشدائد، وحبا للمؤمنين وبعدا عن موالاة الكافرين لكي ينجو الناس من شر هؤلاء الأقوياء الذين لا يرقبون في أحد إلا ولا ذمة.
التدخل الاستراتيجي في شئون الدول الصغرى لا يمكن التمويه عليه بستار مضلل من الأنشطة الإنسانية. |
المشكلة بيننا نحن:
من قرون متباعدة والحرب على الإسلام والمسلمين مشبوبة الأوار، لا تخفت نارها إلا إلى حين ثم تنبعث من جديد، لتذيقهم النكال والهوان، ولو أن أمر هذا الحرب تخطيطا وتنفيذا بيد الأعداء وحدهم لهان الأمر وخفّ الخطب، ولكنها كذلك –على الأقل في جانب التنفيذ- بيد نفر من المسلمين، حكاما أو محكومين، يجعلون من أنفسهم سيفا في يد الأعداء أو على الأقل سوطا يكوي ظهور المسلمين، ومنذ الحروب الصليبية التي برزت فيها هذه الظاهرة بوضوح وحتى يوم الناس هذا لا تختفي هذه الظاهرة ولا تزول، بل إنها اتخذت لنفسها وسائل عصرية، وتدابير خفية، بحيث تؤدي نفس الأدوار القديمة.
وقد برزت هذه الظاهرة بوضوح –رغم كل وسائل التعمية- مع غرس أول بذرة رسمية صهيونية في إقامة دولة إسرائيل سنة 1917م بوعد بلفور ثم ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم الثورات العربية الفلسطينية، ثم إعلان الدولة اليهودية سنة 1948 وما تلا ذلك من أحداث معروفة. كان من بين العرب من يعمل على تهدئة الخواطر العربية ومنع المقاومة المسلحة أو المساعدة في منعها تحت حجج واهية، وحتى حرب فلسطين كانت الجيوش العربية التي دخلت إلى هناك يستسهل بعضها الانسحاب أمام الصهاينة ويفضل الاستسلام بدون قتال، لأن أوامر القتال لم تصله، وما قولك في جيش يقوده الإنجليزي جلوب ليحارب به العصابات الصهيونية؟ وهل يقرب في جيشه ذاك إلا كل منفذ لتعليماته بتمكين اليهود من الأرض، والانسحاب في حركة بهلوانية مظهرية – حفاظا على الأرواح!!!
وكان الانسحاب العربي الكبير سنة 1967 من سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس (جهلا أو عمدا) مظهرا آخر من مظاهر تمكين إسرائيل بدون جهد كبير أو عناء عظيم.
وما تزال القدس تئن تحت مطارق اليهود الذين يريدونها عاصمة أبدية موحدة لدولتهم الصهيونية ويعملون أحزمة من المستوطنات حولها ويعدون لذلك بوسائل شتى، منها التشجيع على إقامة المعارض الصناعية أو الترفيهية للشركات الكبرى، التي تذيع في معارضها وتشيع بين جماهير الناس في الغرب والشرق أن القدس هي عاصمة إسرائيل منذ أزمان غبرت، وسوف تبقى إلى الأبد –كما يزعمون- وكان المعرض الذي ستقيمه شركة والت ديزني وتشجع فيه ذيوع هذا الرأي وتتبناه مثار جدل وأخذ ورد بين المسئولين العرب بعد أن تحركت دولة الإمارات العربية ودعت غيرها لاتخاذ موقف نحو هذه الشركة التي تزوّر التاريخ أمام أعين الحاضرين لصالح إسرائيل. وتحركت جامعة الدول العربية كذلك، وظهرت بوادر حركة مقاومة ومقاطعة لمنتجات هذه الشركة في العالم العربي إن هي أصرت على موقفها واستمرت في إذاعة الفيلم الذي يصور القدس عاصمة لإسرائيل. مما دعا الشركة إلى التراجع عن موقفها والتنصل من معرفتها بما يحويه الجناح الإسرائيلي، ولولا قيام بعض الشخصيات العربية –على حد تعبير الشيخ / عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة- بالاتصال بشركة (والت ديزني) وطمأنتها بعدم الاكتراث بالدعوات التي صدرت من عدة جهات رسمية وغير رسمية إلى اتخاذ إجراءات أو عقوبات لكانت الشركة على استعداد لتقديم تنازلات أكبر لأن ممثليها أبدوا استعدادا لذلك أثناء المفاوضات. أصدقت الآن أن ظاهرة محاولة بعض المسلمين مساعدة الآخرين جرت وتجر علينا كثيرا من النكبات، وتدفعنا إلى كثير من التراجعات؟ أفما آن لهذه الظاهرة أن تختفي من بيننا؟
من العجائب والغرائب المحيرة أن تتهم روسيا العمل الخيري الخليجي – الذي لا تبلغ ميزانيته في عدة سنوات ثمن صاروخين أو ثلاثة- بأنه وراء الأحداث المسلحة في داغستان. |
أحداث القوقاز والعمل الخيري:
قفزت أحداث القوقاز مرة أخرى إلى الصدارة بعد أعوام من السكون الذي عاشته تلك البلاد حين سكنت حرب الشيشان. وبدأت الأحداث الحالية في داغستان، إثر مطالبة بعض سكانها بالاستقلال عن روسيا واستخدامهم للسلام لتحقيق هذا المطلب، الذي قابلته روسيا بالقمع وإهلاك الحرث والنسل، حتى سكت سلاح الداغستانيين وخفت صوتهم، ولم يعد يسمع أحد لهم أنينا. ثم تحولت من بعدهم لصب هجومها الجوي على جمهورية الشيشان، مما اضطر آلاف من مواطنيها إلى اللجوء إلى النفوس، التي تحاول روسيا إغلاق حدودها أمام الفارين من مخاطر الزحف الجوي، ورفض كل محاولة من جانب الرئيس الشيشاني لبحث الأمر في مفاوضات بين الطرفين.
ويبدو أن روسيا فقدت السيطرة على التعامل الصحيح مع الدول التي كانت في حوزة الاتحاد السوفييتي سابقا، بل وفقدت أسس المبادئ الإنسانية في علاجها للمشاكل المتعلقة بهذه الدول، وعزّ عليها أن ترى رأسا يرتفع أو صوتا يعلو في هذه البلاد بعد سبعين سنة من القهر والحرمان والتسلط، والتضليل الفكري والديني والثقافي، وتشويه الهوية أو العمل على تمزيقها، ثم بعد ذلك كله ترى جماعة يطالبون باستقلال بلادهم أو ينادون بتقرير مصيرهم. ولذا فإنها فقدت الرؤية السليمة والمخرج الصحيح من هذه الأحداث وأخذت تصب قنابلها وصواريخها من طائراتها على الشيشان بعد أن أسكتت داغستان، ولم يهتز ضمير العالم الغربي لهذا الذي يحدث بحجة أن هذا شأن داخلي، فلماذا لم يكن الشأن داخليا في تيمور الشرقية، يا من تكيلون بمكيالين وتقيسون بمقياسين؟!! إنها تجربة حية للتناقض الواضح في موقف الغربيين من أحداث تيمور الشرقية التي نالت كل حماية ورعاية واهتمام وأحداث داغستان والشيشان التي تلقى كل إهمال وازدراء وامتهان. وهي تجربة ينبغي أن يتعظ منها المسلمون، ولكن الأحداث اليومية أثبتت أن المسلمين يلدغون من الجحر الواحد عشر مرات لا مرتين اثنتين!!!
ومما هو مثير للعجب أن تتهم روسيا –التي كانت قبل عقد من السنين إحدى القوتين المتحكمتين في العالم بأسره- اللجان الخيرية العاملة في الخليج بأنها وراء الدعم المالي لثائري داغستان، وهو اتهام مثير للضحك –وشر البلية ما يضحك- ويدل على أن السياسة الروسية فقدت سيطرتها حتى على التفكير السليم. إذ كيف يعقل أن تقوم مجموعة من اللجان الخيرية ميزانيتها بضعة آلاف من الدنانير بالوقوف خلف الثائرين الذين يحتاجون في اليوم الواحد إلى ملايين وملايين من الدنانير؟ إن صاروخا واحدا مضادا للدبابات يزيد ثمنه على 300.000 د.ك –كما يقول الخبراء العسكريون. فكم صاروخا يمكن شراؤها بميزانية اللجان الخيرية الخليجية حتى لو اجتمعت تحت سقف واحد؟ إن اللجان الخيرية التي تجمع بعض آلاف من الدنانير من أهل الخير، تنفقها في بناء مسجد هنا أو مدرسة هناك، أو حفر بضعة آبار في منطقة ما، أو تقديم بعض الأغذية والأدوية للمنكوبين في كارثة معينة في الشرق أو في الغرب، أو كفالة بعض الأيتام في بعض البلدان وكل هذه الأعمال التي تتم خلال أشهر أو سنين في بعض الأحيان تتم بميزانية محدودة لا تتعدى في أحسن الأحوال بضع مئات من آلاف الدنانير، فماذا تعمل هذه الميزانية في حرب تتطاير فيها عشرات من الأسلحة تقدر قيمتها بالملايين ربما في دقيقة واحدة؟
لقد كان العمل الخيري في أفغانستان أيام اشتداد الحرب مع الروس قاصرا على إقامة مستشفى أو مدرسة أو كفالة بعض أيتام ممن فقدوا آباءهم في الحرب، والجميع يشهد بذلك ويعرفه، أما الصواريخ التي كان يطلق منها المجاهدون عشرات في كل يوم، فكانت من إنتاج الدول التي لها مصالح استراتيجية أو اقتصادية.
إننا لا نقول أمام هذا الاتهام إلا أن الساسة الروس فقدوا حتى التفكير المنطقي العقلاني الذي يمكن قبوله لدى الناس. نقول ذلك ونحن على علم بأن الناس عندنا والقادة والمسئولين على وجه التحديد لن يؤثر فيهم هذا الاتهام الذي فقد المصداقية والعقلانية في آن واحد.
ولئن فشلت روسيا في معالجة هذه الأحداث القوقازية بالطريقة المرضية. فلا ينبغي أن تتهم غيرها وأن تعلق فشلها على اللجان الخيرية، إن مثلها في ذلك مثل صدام الذي يحاول أن يعلق فشله وما حل بشعب الرافدين بسببه على دول الخليج، ويتهمها بأنها السبب في حرمان أطفال العراق بلد الزرع والضرع من الحليب .. ثم هو يصدره إلى بعض البلاد الأخرى.
إنها اتهامات مضحكة –وشر البلية ما يضحك-.
استطاعت المملكة العربية السعودية بعد أن وحدت أرض الجزيرة أن تقضي على الفوضى والفساد وأن تقتلع الخوف من النفوس، وقد كان يمنع الحجاج من قصد بيت الله الحرام. |
الأمن في المملكة العربية السعودية:
جاء توحيد المملكة العربية السعودية على يد المرحوم / عبدالعزيز ابن سعود. ضربة قاصمة للفوضى العارمة التي تعم البلاد، وللعصابات الخطيرة التي كانت تفتك بالذاهبين إلى البيت الحرام، فلا يسلم منهم إلا القليل، بعد نهب الأموال والمتاع، وإثارة الذعر والفزع في قلوب العباد. وكانت هذه العصابات تؤيدها وتحميها العنصرية القبلية، وبعض أصحاب النزغات الشيطانية الذين لا يريدون للأمن أن يسود، ولا لعباد الله الذين يؤمون بيته أن يطمئنوا في عبادتهم وما كان لمثل هؤلاء الذين يفتكون بالآمنين والعابدين أن يراعي حرمات الأشهر الحرم، ولا أن يمنعهم عن بغيهم المقصد الديني الأسني نحو البلد الحرام.
وجاء توحيد المملكة ليقضي على هذه المفاسد، وليجعل الحرم آمنا كما أراده الله “أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ..” وليسود فيهاالنظام، فلا تشعر وأنت في أطرافها أو على قمم جبالها أو في وسط صحرائها بشيء من الخوف. “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” وكم من مسافر اليوم يترك سيارته جانب الطريق من الطرقات وفيها متاعه وطعامه وشرابه فلا تمتد لها يد، ولا يعبث بها أحد، ولا يفقد منها شيء، ولا يفكر في أنه قد يفقد شيئا من الأشياء. إنه آمن على نفسه وولده وماله، وتلك نعمة من الله نحمده –سبحانه- ويحمده كل المسلمين في الأرض عليها، ونسأله أن يديمها على السعودية وعلى كل بلاد الإسلام.
ونحن إذ نهنئ رجال المملكة وقادتها بهذا الإنجاز الذي لا يكاد يشعر به أحد الآن، إنما نهنئهم على ما قاموا به نحو بلادهم ونحو المسلمين، ولسنا نملك أمام أي إشراقة تقوم بها المملكة إلا أن نهنئها ونهنئ جميع مواطنيها حكومة وشعبا بها، ونسأل الله أن يوفقهم جميعا لمرضاته واكتساب مثوبته.
أولادنا والمدارس:
أشعر بمزيد من الإشفاق على كل فتى أو فتاة ينوء ظهره بحمله وهو يتجه كل صباح نحو مدارسنا الحكومية. |
يسعى كل إنسان في مجتمعنا الكويتي الآن نحو المدرسة إن بلغ سنّا معينة، لا يتخلف عن ذلك فتى أو فتاة إلا في النادر القليل الذي لا يكاد يحسب في إحصاء أو تعداد. وكل بيت يخرج منه عدد من الأولاد إلى مدارسهم كل صباح، وظهورهم محملة بالحقائب المدرسية الثقيلة بما يوضع في بطنها من كتب وكراسات وأدوات تنوء بها ظهور الصغار، ويشعر بعبء حملها الكبار، وتكاد أعوادهم الغضة تلتوي وتنحني تحت هذا الحمل الثقيل، الذي تقرره الوزارة وتلزم الأبناء بإحضاره كل صباح معهم من منازلهم إلى مدارسهم .. ثم حمل هذا الكم الكبير مرة أخرى من مدارسهم إلى منازلهم مع نهاية اليوم الدراسي، هذا إلى جانب ما يحملونه من أدوات الزينة والوسائل التعليمية وغير ذلك من المطالب التي يقوم ولي الأمر بدفع ثمنها وإحضارها وإلا .. وليس حديثنا عمّا يدفعه أولياء الأمور ثمنا لمطالب المدارس ولكن حديثنا عن هؤلاء الصغار الذين تأخذني الشفقة بهم وأنا أراهم كل صباح يتعثرون ويكادون يسقطون وهم يحملون حقائبهم المدرسية، التي قد تقارب وزنهم أحيانا، أشعر بالإشفاق وأنا أرى الفتاة الصغيرة ينحني ظهرها تحت هذا الثقل، لكأنى بالوزارة تريد أن تخرج الفتيات من مدارسها وقد انحنت ظهورهن ومالت رؤوسهن إلى الأمام من كثرة الأحمال حتى يكون ذلك علامة على التعليم والتحصيل ومن يدري فلعله يشترط في الوظائف بعد سنين أن يكون طالب الوظيفة (رجلا أو امرأة) قد تقوس ظهره وتشوه قوامه، لأن ذلك آية حمل الأسفار، وتحصيل العلم بالليل والنهار، ولسنا نطالب بحذف هذه الكتب ولا باختصار المناهج، وإنما نطالب بوضع حد لهذه المتاعب اليومية التي يتحملها أبناؤنا وبناتنا خاصة أن بعض المدارس الخاصة قد استطاعت أن توجد حلا لمثل هذه المشكلة بوضع بعض الخزانات في الفصول وتوضع فيها بعض الكتب تحت أرقام معروفة للتلاميذ.
والمهم أن المشكلة يمكن حلها بسهولة –بطريقة أو بأخرى- لو أن الوزارة فكرت في ذلك وصممت على وجود حل يريح أبناءها وبناتها ويحافظ على قوامهم ولا يستهلك نشاطهم.