بقلم الشيخ/ د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

الأمور بين الوهم والحقيقة:

قديما كشف الشاعر العربي عن رضاه بالشدائد التي تصيبه، لأنها تبين له عدوه من صديقه فقال:

جزى الله الشدائد كل خير              عرفت بها عدوي من صديقي

والشدائد إن كشفت معادن بعض الناس أحيانا، فإنها تكشف كذلك قوة المؤسسات أو ضعفها، بل قوة الدول أو هزالها. وكثيرا ما يعلو صوت مؤسسة من المؤسسات أو دولة من الدول، ثم ينجلي الأمر بعد شدة طارئة عن ضعف بادٍ، أو جمود بليد، وكأن الأمر كما قال أبو العلاء: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا. إن الفرد أو المؤسسة أو الدولة حين تأسر –بالباطل- عقول الناس، وتستولي –بالكذب- على قلوبهم، فيصدقون دعواها ويرهبون جانبها سرعان ما تتبدى سوأتها وتنكشف عوراتها إن جاءتها قاصمة، أو لطمتها شدة طارئة. والمؤسسة العسكرية في تركيا نموذج لما نقول، فقد استأسدت على الإسلاميين هناك وكانت بتدخلاتها الظاهرة والخفية، وضغطها على السياسيين وراء حرمان بعضهم من العمل السياسي ووراء محاكمة آخرين، ووراء رفض أي مظهر إسلامي حتى لو كان حجابا لإحدى النساء، ومنعت المحجبات من وظائفهن ومن حقهن في دخول الجامعة، ومنعت مدارس القرآن الكريم، وأجازت لغير الإسلاميين كل شيء حتى حرية التعري والفجور، فلما جاءتها شدة الزلزال، بان عوارها وظهر ضعفها في التنظيم، وفي المبادرة لمواجهة الأحداث وكيفية التعامل معها، وفي محاولة إنقاذ الناس من تحت الأنقاض، ولولا فرق الإغاثة الدولية لما استطاعت المؤسسة العسكرية أن تفعل شيئا يذكر. وبالطبع فلم يكن منتظرا من هذه المؤسسة أن تمنع الزلزال، أو أن تمنع المباني من السقوط، أو أن تمنع الأرض من ابتلاع القواعد العسكرية، ولكن المطلوب أن تتعامل مع الحدث بقدرة وحسن تصرف وسلامة أداء، وتخلي عن التردد والإبطاء، ولكنها لم تفعل فصدق عليه القول المأثور:

أسد عليَّ وفي الحروب نعامة …

والمفترض في مثل هذه المؤسسة –ولها اليد الطولى في الشئون التركية- أن تكون لديها المقدرة على مواجهة الشدائد،

كثير من المؤسسات التي يعلو صياحها وصخبها في عالمنا العربي والإسلامي- سرعان ما تتهاوى أمام شدة طارئة، أو لطمة غير قاصمة.

وأن تتحمل واجبها في حماية الناس وإنقاذهم، والعمل على إخراجهم من الأزمات البشرية أو الطبيعية التي تواجههم وأن تخفف أعباءهم، وتمسح أحزانهم، ما دامت تعتبر نفسها درعا للوطن، أما أن تستأسد على الناس في وقت الرخاء وتستأثر دونهم بالمنعة والسلطان، ثم عند الشدة تتخلى عن واجبها نحوهم أو تتقاعس فيه وتبطئ في مد يد العون إليهم، فتلك مؤسسة بادية الضعف، ظاهرة العوار، ومصيرها إلى التغيير أو البوار.

ولو بحثنا في تاريخنا الحديث –نحن العرب- لوجدنا كثيرا من أمثال هذه المؤسسة يعيش بيننا طاووسا يختال في الرخاء، ويفتخر على الناس بالمنجزات الورقية والدعايات الإعلامية، ثم تأتي عاصفة من العواصف، فتمحو رياحها كل شيء وتزيل كل أثر فلا تبقى إلا الأطلال والدمن، التي لم يعد يقف عليها الشعراء. حدث ذلك في سنة 1967م، حين أعلنت دول الطوق أنها قادرة على فعل المعجزات بعد أن أثقل بعضها ظهر الشعب بالأوقار وعاتقه بالأحمال، فلما دنت ساعة الاختبار سقط الجميع.

وحدث قبل الغزو العراقي، ونحن نعلن عن أننا نملك منظومة للدفاع قادرة على كذا وكذا، ثم جاء فجر الخميس الثاني من أغسطس سنة 1990م ليكشف القناع، ويظهر الارتياع الذي حل بالشعب كله، بل بالناس جميعهم المقيمين على أرض الكويت.

وحدث هذا لجيش الطاغية صدام الذي كان يعلن قبل تحرير الكويت في عاصفة الصحراء أنه سوف يفعل ويفعل في جيوش التحالف الدولي، ثم عند الجد توارى جيشه، وغاض في صدره أمله، وبان كذبه، ولو كان عنده شيء من حياء لترك مكانه بل لترك الديار ورحل إلى غيرها. ولكن أنى له ذلك، وهو الذي كان يزعم أن قدرته لا تقهر، فإذا به عند الجد أسد من ورق، لا يخيف أحدا، بعدما فقد زئيره، وشلت حركته.

ولو ذهبنا نتتبع أمثال هذه الأمور التي هي إلى الوهم أقرب منها إلى الحقيقة لأعيانا الإحصاء، دون أن نحيط بها خُبْرا، فهي فوق التعداد، وليتنا نتعظ من أمثال هذه الأمور ونراجع أنفسنا ونصلح أحوالنا.

كيف يقضي الإنسان المعاصر يومه؟

تحت هذا العنوان نشرت صحيفة الشرق الأوسط خلاصة دراسة عدد من الباحثين حول استفادة  الإنسان المعاصر من ساعات اليوم، وهي دراسة تجعل المتأمل يعجب من بعض الأرقام التي ذكرتها الدراسة، لأنها تدل على انحسار دور العقل الإنساني، وطغيان اللهو واللعب على حياته، فلنعد قراءة الأرقام أولا، ثم نعرّج عليها بالرأي والتعليق ثانيا.

7 ساعات و 18 دقيقة للنوم

4 ساعات عمل منزلي للنساء وأقل من ذلك بمقدار النصف للرجال.

3 ساعات لمشاهدة التلفاز

ساعة و26 دقيقة على الخطوط الإلكترونية لمستخدمي شبكات الكمبيوتر.

ساعة للأكل

52 دقيقة على الهاتف

41 دقيقة لقراءة المجلات والصحف

31 دقيقة للعناية بالأطفال

16 دقيقة للبحث عن الأشياء الضائعة

16 دقيقة لمطالعة الكتب

7 دقائق للعناية بالحيوان والنبات.

ومن ملاحظة هذه الأرقام وتأملها نجد أن دور العقل الإنساني ينحسر الآن إذ لا تزيد فترة إطلاعه على الكتب (وهي

المؤسسات القوية هي التي تتحمل واجبها في حماية الناس وإنقاذهم مما ألمَّ بهم وتخفيف أعبائهم، وإزالة آلامهم.

المصدر الأول للثقافة) عن 16 دقيقة كل أربع وعشرين ساعة، يقابلها الجلوس أمام التلفاز 3 ساعات، ومعنى ذلك أن فترات اللهو واللعب التي يقضيها معظم الناس غالبا أمام التلفاز في مشاهدة ما لا يفيد –وإن كان مسليا- فترات اللهو هذه تزيد عن فترات الجد ما يقرب من 12 ضعفا، فالعقل الإنساني في انحدار، واللهو البشري في ارتفاع، فإذا أضيف إلى وقت اللهو الثرثرة غير النافعة وغير المجدية في كثير من الأحيان أدركنا أن الضعف الإنساني قادم، وأن اهتمام الإنسان بالتافه من الأمور مقدم لديه على الجاد منها، وهل تصنع 16 دقيقة في اليوم عقلا مفكرا واعيا يخدم الأمة؟ ولا شك أن هذه الأرقام مأخوذة من حياة الناس في الغرب، ولو حاولنا تطبيقها في الدول الشرقية الإسلامية لوجدنا تضاعف الساعات التي يقضيها المرء أمام التلفاز، وتضاؤل دقائق القراءة أو ربما انعدامها عند الكثيرين، ورحم الله العقاد الذي كان يعكف على القراءة والاطلاع 8 ساعات في اليوم، ورحم الله علماءنا الأجلاء، الذين كانوا يستكثرون أن يضيع الإنسان دقائق في تناول الطعام، فاستسهل بعضهم أكل الفتات بالماء حرصا على وقت القراءة والمطالعة، وكان الإمام النووي رحمه الله، يكتفي وهو في دمشق بكسرات من الخبز تأتيه من نوى حتى لا يضيع وقتا في غير تنمية العقل بالعلم والمعرفة.

وإذا كان الإنسان في الغرب يقضي في صحبة أولاده والعناية بهم إحدى وثلاثين دقيقة (وهي فترة غير كافية خاصة إذا كان عنده عدد من الأولاد) فإن الإنسان في بعض بلادنا العربية قد لا يرى أولاده إلا وهم نيام، لأنه يعود بعد نومهم، ويخرجون إلى مدرستهم قبل استيقاظه، أو قبل استعداده للحديث معهم، وكل الرابطة بينهم تحقيق مطالبهم المادية بقدر الإمكان، ووجودهم تحت سقف واحد قد يجمعهم في بعض الأحيان. فهل ينتظر من آباء هذا حالهم تربية ناجحة؟ وجيلا واعيا يدرك واجباته ويطالب بحقوقه؟ ومتى؟

إننا لا ينبغي أن نعرف الحقائق ثم نعرض عنها، ولا ينبغي أن نرى الانحراف ثم لا نعمل على تقويمه، ومشكلتنا أن العادات السيئة والتقاليد الضارة قد تتحكم في سلوكنا، وهل أقبح من أن يهمل الإنسان أبناءه وهم فلذة كبده؟ وهل أقبح من أن يترك الإنسان بيته فلا يتواجد فيه إلا وقت النوم؟ وما الفرق –إذن- بين البيت والفندق؟ ولأمر ما قال r: “وليسعك بيتك” لأن البيت لا يحمل معنى الإيواء وحده، بل يحمل معنى الرعاية والاهتمام بالأهل والأبناء والقيام بالتربية اللازمة، وإبعاد المضار المحتملة، والحرص على تنمية القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة .. ولا يتحقق شيء من ذلك إن تركنا الأبناء أمام التلفاز كل هذه الساعات وإن لم ننمِّ فيهم حب القراءة، وإن لم نجعلهم يتحملون بعض المسئولية، وإن تخلينا –نحن الآباء- عن واجبنا نحوهم في التوجيه السديد الرشيد.

الانتخابات الطلابية:

القطاع الطلابي أحد القطاعات الكويتية، التي يعوّل عليها في بناء مستقبل الكويت والحفاظ على أمنها ومكانتها، وهو أحد المؤشرات الدالة على تنامي حركة توجهات الناس نحو جهة معينة أو فكرة محددة، أو على تراجعها، ومن ثم فإن انتخابات الاتحاد الوطني لطلبة الكويت –فرع الجامعة- تضع أمامنا بعض الحقائق التي لا بد من تأملها جيدا والوقوف أمامها، فلعلها تكون سبيلا لإصلاح بعض المؤسسات ذات التوجه الحزبي أو الأيدلوجي خارج نطاق الجامعة.

لقد فازت قائمة الائتلافية بـ 3664 صوتا بنسبة 41.49% وحققت تقدما على غيرها للمرة الواحدة والعشرين

وحصلت قائمة المستقلة على 2597 صوتا بنسبة 29.41%

وحصلت قائمة الوسط على 1567 صوتا بنسبة 17.75%

وإذا كانت الائتلافية قد استطاعت أن تفوز بجميع مقاعد الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت –فرع الجامعة-

البلاد الغربية يتضاعف فيها الاهتمام باللهو والعبث ويتضاءل فيها الاهتمام بالعقل والفكر وعندنا أضعاف من هذا المقياس ارتفاعا وهبوطا.

للمرة الحادية والعشرين، فإن قائمة المستقلة قد استطاعت أن تحقق تقدما ملحوظا بالحصول على عدد أكبر من الأصوات التي كانت تحصل عليها من قبل، لقد زاد رصيدهم عن العام الماضي بـ 531 صوتا، وهو تقدم ظاهر لا ينكره أحد. على حين حدث تراجع عن العام الماضي في عدد الأصوات التي حصلت عليها الائتلافية –رغم فوزها- وكذلك حدث تراجع في عدد الأصوات التي حصل عليها “الوسط”.

وإذا كانت المستقلة وهي التي لا تنتمي إلى جهة حزبية أو أيدلوجية قد قفزت إلى الأمام خطوة واسعة، فإن الائتلافية والوسط وهما اللتان لهما انتماءات حزبية وتوجهات أيدلوجية خارج الجامعة قد تراجعا إلى الخلف بضع خطوات، مما يعطي دلالة واضحة على أن الطلاب راجعوا أوراقهم بالنسبة للتكتلات قبل التوجه للاقتراع، وهذه الملاحظة بعينها هي ما أفرزته نتيجة انتخابات مجلس الأمة، حيث تراجع عدد الناجحين الذين يعبرون عن توجهات أيدلوجية، ولهم ارتباطات حزبية، مما يدل على أن التكتلات والهيئات التي ينتمون إليها لم تعد قادرة على جذب انتباه الناس التام، ولا ينبغي أن نلقي اللوم على الناس وإنما ينبغي أن تراجع هذه المؤسسات نفسها لترى أهي متابعة للتطورات الاجتماعية حولها أم لا؟ أهي مواكبة للأحداث الجارية، وتشارك في صنعها –أحيانا- أم لا؟ أهي قادرة على التأثير في الآخرين أم لا؟

إن تراجع الناس عن اختيار ممثلي الهيئات والتكتلات في المجلس أو في الجامعة دليل على ضعف العمل بين الجمهور، وقلة العطاء التي يشعرون بها فينصرفون عنهم إلى غيرهم، علّهم يجدون بديلا .. إن اكتساب ثقة الآخرين لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي نتيجة عمل جاد وجهد مستمر وعطاء متجدد من أجلهم ولصالحهم، ولو شعر الناس بذلك لوثقوا بأصحاب التكتلات ولم يرتضوا غيرهم بديلا. إن الثقة هي أساس الحب والولاء ولا ثقة بغير تفان في خدمة الآخرين. إن أساس ثقة الأبناء بأبيهم –رغم القرابة- هو إدراكهم أنه لا يدخر وسعاً في إسعادهم والمحافظة عليهم، وأساس ثقة الشعوب في مؤسساتها وحكوماتها أنها لا تدخر وسعا في القيام بمصالحهم ودفع الضرر والشر عنهم. ولو فقدت هذه الثقة ضاع كل شيء. ولذا ليس أمام التكتلات إلا أن تراجع مواقفها وتعدل بعض مساراتها لتكتسب من جديد ثقة الآخرين وإلا فإن هذه المؤسسات ستفقد المقدمة والتبريز بين الناس ولو بعد حين.

العراق وانتصاره للحركات الجهادية!!

المزاعم الدعائية التي يعلنها نظام بغداد عن محاولاته الدفاع عن الإسلام والمسلمين لا تنطلي على أحد في الحاضر، كما أنها لم تنطل على العارفين ببواطن الأمور من قبل، فما كان لحزب البعث وسجله معروف في العمل ضد الإسلام والمسلمين، أن يدعي لنفسه أو أن يدعي قادته الأشاوس أنهم يدافعون عن الدين، إلا كما ادعى صدام أن مؤسس الحزب قد أسلم بعد موته بأربع وعشرين ساعة على حد تعبير الكاتب الأستاذ / فؤاد الهاشم وما كان لصدام تحديدا -وسجله الإجرامي في قتل المسلمين في حلبجة، وغيرها وفي قتل كرامة الناس في كل أنحاء العراق- أن يزعم أن له صلة بالدين من قريب أو بعيد، فهو وزبانيته وأشباههم لا يعرفون من الدين إلا اسمه ولا يحملون له شيئا على الإطلاق اللهم إلا الهوية التي فيها أن فلانا مسلم، وقد تكون أعماله وأقواله مخالفة للإسلام نصا وروحا في كل أمر.

وكان آخر موقف يسجله النظام على نفسه في وقوفه ضد العاملين للإسلام، المجاهدين في سبيله موقفه في المؤتمر الإسلامي التاسع، فقد أبى سدنة النظام وضع فقرة في البيان الختامي للمؤتمر الإسلامي التاسع الذي عقد في بغداد منذ أيام، وكانت تندد بموقف الحكومة الأردنية بسبب إجراءاتها نحو قادة حماس بحجة أن ذلك التنديد يعد تدخلا في شئون الأردن وهو أمر يرفضه العراق.

ولعل المؤتمرين هناك في بغداد كانوا يظنون أن النظام يفعل ما يقول، ومع أن النظام منذ سنين يقول عن الإسلام

الرعاية والاهتمام بالأهل والأبناء من رب الأسرة أساس كل سلوك قوية نغرسه في جيل المستقبل.

والمسلمين ما لا يفعل “يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون” إلا أن بعض الناس ما يزالون يصدقونهم، وإنه ليس من الكياسة أن يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وقد لدغ المسلمون مرات من حزب البعث وقادته، وعلى رأسهم كبير النظام في بغداد صدام الذي لا يرقب في مسلم إلًّا ولا ذمة، وإنما هو يعمل بتبجح ظاهر على تمكين الصهاينة في فلسطين، ويعمل على تفريق المسلمين، وشق الصف العربي، وتشتيت الجهور التي من الممكن أن توجه نحو العدو الصهيوني.

وما نقوله هنا ليس سرا في الكتمان لا يعرفه إلا ذوو الشأن، وإنما هو أمر ظاهر لكل ذي عينين، فكيف ينتظر من أشاوس هذا النظام أن ينصروا الإسلام؟

الحركة الإسلامية في إسرائيل:

تبحث إسرائيل إمكانية التصدي للحركة الإسلامية فيها بعد الحركتين الانتحاريتين اللتين ارتكبهما أشخاص ينتمون إليها في شمال إسرائيل .. والحمد لله أن إسرائيل ما زالت تبحث إمكانية التصدي، ولم تتصد بالفعل، خاصة وأن كثيرا من البلاد المجاورة لإسرائيل تصدت منذ أزمان للحركة الإسلامية، وضربتها بشدة، وألحقت بها أضرارا ما زالت آثارها بادية لم تزل، وجروحها بادية لم تندمل.

البلاد العربية الإسلامية أجرأ وأسبق وأعنف في التصدي للحركة الإسلامية من إسرائيل التي تقوم فيها منظمات صهيونية متطرفة تفعل الأفاعيل في العرب هناك، وتنتقد الحكومة الإسرائيلية وتغير طبيعة الأرض، وتعتدي على الآمنين حتى في مساجدهم وهم يصلون كما حدث في المسجد الإبراهيمي، وتحاول تدمير المسجد الأقصى بحرقه مرة، وحفر نفق تحته مرة أخرى، ومع ذلك كله فإنها آمنة، لم يمسسها سوء، ترى الدولة أنها عنصر من عناصر قوتها، وجبهة لاعتدال الموازين فيها، أما عندنا –نحن العرب- فالموازين مختلة، والمقاييس معتلة، فالدولة الإسلامية هي التي تضرب الحركة الإسلامية، وتحاصرها، وتختلق لها الشبهات والاتهامات، وتشرد رجالها، وتعتقلهم خلف جدران المعتقلات، وفي أقبية السجون، وتنزل بهم أبشع أنواع التعذيب، ثم تدعي بعد ذلك أنها (الدولة) تحافظ بذلك على الإسلام والمسلمين!!

وما نزل ببعض قادة حماس أقرب مثال مخفف في معاداة الإسلاميين ومحاولة التضييق عليهم وتشريدهم، لا لأنهم

على المؤسسات الحزبية أو الأيدلوجية في مجتمعنا- أن تراجع دورها وتطور قدراتها، وإلا سبقها غيرها.

ارتكبوا جريمة في حق أحد من المسلمين، ولكن لأنهم لا يوافقون على سياسة البعض نحو إسرائيل التي يهرول الجميع نحوها لاسترضائها، واستجداء السلام أو إن شئت (حياة المذلة) من بين أيديها. وكأن المطلوب ألا ينطق فم، أو يتحرك لسان، أو يختلج شعور في قلب محب للإسلام، غيور على أرض المسلمين، يرى استباحة أرضه ذلا، والعيش تحت ظلال اليهود هونا. ومن فعل ذلك عدّ إرهابيا، مناهضا للسلام، محبا للخصام أو النزال في الساحة مع اليهود، الذين لا يودون مواجهة بعد أن استطاعوا أن يستحوذوا على غنيمتهم كاملة، وأن ينتزعوها من بين الرعاة، رغم أنف الشعوب التي كانت –وستظل- مستعدة للتضحية في سبيل الله بالمال والأهل من أجل تحرير أرض المسلمين، لو فتح لها الباب، وتجهزت للنضال.

وأول درجات الاستعداد التعبئة المعنوية عن طريق شحن النفوس بالطاقة الإيمانية التي لا يقف في سبيل شيء، واليهود لا يريدون ذلك ولا يطيقونه، وإذن فليعملوا من وراء ستار لوأد كل حركة إسلامية، والالتفاف حولها، وإيقاف نموها، وتشتيت أعضائها، ولو استغلوا في ذلك بعض الحكومات مقابل الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولا يخفى ذلك على أحد من المتابعين لما يدور خلف الكواليس.

وإنه لمن حسن حظ الحركة الإسلامية في إسرائيل أن سلمت حتى الآن مما أصاب غيرها في البلدان الإسلامية، ومهما حدث لها هناك فلن يكون موازيا أو مقاربا لما حدث لأمثالها في بلاد المسلمين.

وإنا لنسأل الله أن يحفظ الجميع.