بقلم الشيخ/ د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

دعاء يتردد في أرض الكويت منذ تسع سنوات يضرع به إلى الله الغني والفقير والصغير والكبير والرجل والمرأة والمواطن والمقيم، ويعلو سماعه كل يوم جمعة في مساجد الكويت على لسان أئمة المساجد وتأمين أولئك المصلين، ويتردد صداه في الجو، ولا تخلو منه مناسبة من المناسبات أو احتفال من الاحتفالات، بأن يفكَّ الله قيد الأسرى، ومع هذا فما يزال هؤلاء المرتهنون تضمهم أسوار المعتقلات في جوانحها، وتغيب أخبارهم في حناياها، لم يقرّ بوجودهم نظام بغداد، ولم تتدخل الأمم المتحدة لفك أسرهم، وإطلاق سراحهم. فلماذا لم يفك أسرهم رغم كل هذا الدعاء؟

أقول هذا وأنا على علم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي” (متفق عليه).

ولست –بحمد الله- عجلا في الدعاء، لكني أود أن نصحح هذا الدعاء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نستمر في هذا الدعاء كذلك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

والدعاء يتردد وسيظل، والإجابة مربوطة بالمعادلات الإيمانية، التي –إن قمنا بها على أحسن وجه- فإن الله يحقق لنا الرجاء ويستجيب -بفضله- للدعاء –إن شاء الله- والمعادلة الإيمانية التي أعنيها هي التي ذكرها الله في كتابه في قوله سبحانه: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدونفإن استجبنا لله بطاعته، وتنفيذ أوامره، وتطبيق شرعه، والانقياد لحكمه، استجاب لنا –برحمته وفضله- وأزال كربنا بمِنّته، وأنزل على قلوبنا السكينة والطمأنينة، إن خلصت هذه القلوب في توجهها إليه، وصدقت فيما عزمت عليه من التمسك بشرعه، ولنا مثل في السابقين الذين أنزل الله عليهم قوله: “فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا“، وقد جربنا ذلك بعد الغزو الأثيم، فحين صدقت القلوب في التوجه إلى الله، ولهجت الألسنة بذكره، وخضع الجميع لأمره، وتعاهدوا على إقامة شرعه حقق الله الرجاء الكبير بعودة الكويت كلها محرره، وعودة أبنائها إليها يعيشون في أمان، اللهم إلا بعض أبنائها الذين احتجزهم العراق واعتبرهم أسرى، وترك نساءهم وأبناءهم يتجرعون الآلام، فالزوجة تحفظ زوجها في نفسه وماله وولده، لأنها تعلم أن ما أصيبت به ابتلاء من الله سبحانه، تدخر ثواب ذلك في جلد وثبات وصبر “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين إن الثواب الكبير الذي وعد الله به عباده المبتلين في الدنيا، زاد لهذه المرأة على طريق الثبات حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، لأن ما حدث من ابتلاء لها ولأبنائها وحتى لزوجها إنما هو بقدر الله، ولا نملك إلا الرضا بقضائه وقدره وتسليم الأمر إليه، “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلى في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي يسير ولعل ذلك كفارة لخطايا، يريد الله –سبحانه- أن يمحوها من صحيفة هذه الزوجة وصحيفة زوجها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة” رواه الترمذي.

وعلى الزوجة أن ترضى بقدر الله حتى تنال رضوانه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط“، وهذا الرضا بقدر الله يقتضي منها أن تكون وفية للعهود التي بينها وبين زوجها، وأن تكون صادقة مع نفسها، مراعية حق هذا الزوج في غيابه، مكثرة من الدعاء له ولإخوانه بالفرج القريب، وأن تحافظ على بيته وماله وترعى أولاده، وأن تستعين على ذلك كله بالصبر والصلاة.

ولا ننسى كذلك أبناء هؤلاء المرتهنين، فقد أصبحوا أمانة في أعناق رجال وطنهم ومن حقهم وواجبهم علينا أن نقدم لهم الرعاية والاهتمام والعطف والحنان، وأي تقصير في ذلك يعتبر تفريطا في حقهم وتضييعا لأمانتهم، وسيحاسبنا الله على ذلك يوم القيامة، ولربما لحق بنا في الدنيا شيء من سوء هذا التفريط، لأن الله حذرنا من ذلك بقوله: “وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا

وإن أبناء المرتهنين يشتركون مع أبناء الغازين في سبيل الله في بعض الأمور، وقد أمرنا رسول الله أن نخلف الغازي بخير في أهله، فقال: “من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا” (متفق عليه)

وأبناء المرتهنين يجب لهم ما يجب لليتامى من الكفالة والعطف والمودة لتشابه الحال، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما” (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة” (رواه مسلم). ويثاب كافل ابن المرتهن ولا سيما الفقير والمسكين منهم مثل ثواب كافل اليتيم.