من حق سمو أمير البلاد أن يصدر مرسوما بما يراه محققا المصلحة العامة، وما يراه داعما لكل جهد فيه عنصر من عناصر القوة لأبناء الكويت، ومن حق المؤسسات والهيئات والجمعيات المختصة والمفكرين والمثقفين أن يناقشوا هذا الأمر في ضوء المصلحة العامة كذلك، فالمصلحة العامة المنضبطة بحدود الشريعة الإسلامية، المتوائمة معها، غير المناقضة لها، هي المحور الذي تصدر من أجله المراسيم الأميرية، وهي المحور الذي ينبغي أن تستند إليه المناقشة بالتأييد والقبول، أو بالمعارضة والرفض.
ومرسوم فتح باب المشاركة الديمقراطية أمام المرأة الكويتية لم يصدر للتطبيق الآن، وإنما أمامه امتداد زمني يستمر أربع سنوات، ومعنى ذلك أن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والتكتلات السياسية وذوي الشأن والغيرة من الأفراد أمامهم فرصة كبيرة للدراسة المتأنية للحكم على هذا الأمر، مؤيدين أو معارضين أمّا أن يصدر المرسوم اليوم فنجد الناس –في الغد- قد انقسموا حياله فريقين فإن الحكم في هذه الحالة يكون مبنيا على تصورات مسبقة، أو على مقررات جاهزة، ولا تبنى مصلحة دولة على هذين الأمرين أو على أحدهما.
وكان الأولى أن نتريث في الحكم، وأن نجدّ في دراسة هذا الموضوع أو نرجع إلى الدراسات العلمية الصادرة في هذا الشأن، وأظن أن هناك بضع عشرة رسالة ماجستير ودكتوراه تناولت هذه القضية من جوانبها المختلفة، وتابعت جزئياتها بالتفصيل والتحليل وما فيها من إيجابيات أو سلبيات، والرجوع لهذه الدراسات كفيل بإصدار حكم لا مطعن فيه للمتمسكين بالحق، السائرين على دربه، الذين يعرفون أن تحريم الحلال كتحليل الحرام كلاهما يحتاج إلى نص شرعي، ويحتاج إلى فهم دقيق لهذا النص عند الفتوى به، أمّا أن نقول: هذا حرام بغير نص، وهذا حلال كذلك بغير نص، فهو افتراء واجتراء على الله سبحانه.
وعند التأمل في مرسوم فتح باب المشاركة للمرأة في الحياة البرلمانية لا نجد –بحسب علمنا- نصا يحلل أو يحرم، والحديث الصحيح المروى عن أبي بكرة: “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة” ليس نصا قطعيا في دلالته على المنع، بل نص تسع الافهام البشرية أن تختلف فيه.
إذن فإن التأييد أو المعارضة في هذا الشأن محتاجة إلى دراسة أكبر وأوسع من أن نقول: هذا جائز أو غير جائز وكفى، لأن هذه الدراسة لا بد أن تأخذ -في حالة عدم وجود النص- بالمصالح المرسلة التي لا تصطدم بنص شرعي ثابت وأن تراعي الجوانب الاجتماعية، والأعراف المرعية، والتقاليد الموروثة، والمصلحة العامة والخاصة إلى غير ذلك من القواعد الأصولية والفقهية، ثم بعد الوصول إلى رأي مبني على دراسة، يكون لهذا الرأي في هذه الحالة قيمته وأثره، فيجعل الناس يطمئنون، ويزيل ما قد يعتري البعض من تشكيك في نية الآخرين، أو اتهامهم في أن نزعتهم غربية، أو أنهم يتحدثون من خارج العصر، أو غير ذلك من التهم الجاهزة المعدة سلفا لأن يرمي بها الناس بعضهم بعضا، إننا لو فعلنا ذلك نكون قد أسدينا للبلد معروفا، فهل نترك الجدال ونتجه إلى الدراسة الجادة الواعية التي لا تنكر الأصول الثابتة ولا القيم الراسخة، ولا المستجدات الجارية؟
وقد اضطررت –أمام كثرة الأقوال والأحاديث في هذا الموضوع- أن أعجل بهذه الدراسة، لعل الله أن ينفع بها فينقطع الجدل ويزول الخلاف.
يسعنا ما وسع السابقين:
في هذا الصدد فإن الدراسة الجادة التي قدمها المستشار / فكري أحمد مغاوري ووضعها بين يدي القراء يوم الاثنين الماضي 24/5/1999 ونشرتها جريدة الوطن الكويتية تعتبر إحدى العلامات الكاشفة في هذا الموضوع، وهذه الدراسة التي أقدمها اليوم للموضوع ذاته تأخذ بعين الاعتبار ما قدمه المستشار في دراسته التي أشرنا إليها.
ونحن في البداية نتفق معه في أن الصواب والخطأ لا ينبغي أن يتحولا إلى مرادفين للحق والباطل أو الهدى والضلال، “لأن صدر الإسلام يتسع لاختلاف الآراء ولا يضيق عن الاجتهاد” ومن الممكن أن تتناقص آراء الفقهاء والمفكرين بناء على فوارق كثيرة بينهم، بحيث يجيز بعضهم ما لا يجيزه الآخر، دون أن يكون لهذا التناقض أو الاختلاف أدنى أثر في الطعن على بعضهم بعضا أو خصومة بينهم أو غير ذلك مما يحدث الآن بين المختلفين، وينبغي أن يسعنا ما وسع السابقين في أهم الأمور التي يجب أن يعنى بها المسلم وهي الصلاة.
فالإمام الشافعي بناء على فهمه للنصوص يقرر أن قراءة الفاتحة فرض في الصلاة، والإمام أبو حنيفة يقرر أن قراءة أي شيء من القرآن تكفي، وبقية الأئمة لهم آراء مختلفة في هذه المسألة، واختلافهم وجوب القراءة خلف الإمام أو عدم وجوبها، وغير ذلك مما اختلف فيه الأئمة دون أن يطعن أحدهم على الآخر، ودون أن يَزْوَرَّ المسلمون أجمعون عن رأي بعينه، وإنما الآراء معروضة أمام الجميع، مستندة إلى النصوص التي استمدت منها، والناس أحرار في اختيارهم للرأي الذي يجدونه أقرب إلى الحق وأدنى إلى القصد، دون أن يُخرج أي فريق منهم الآخر من إطار الحق إلى إطار الباطل، لأن مرونة الشريعة وسعتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان يمكن أن تنظر للشيء الواحد من وجوهه المختلفة، وحديث “لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة” أصل في هذا الموضوع حيث أجاز النبي صلى الله عليه وسلم رأي كل فريق من الفريقين ولم يأمر فريقا بإعادة الصلاة أو ينبهه إلىخطأ وقع منه، مما يدل على سلامة تصرف الجميع. فلم يكن الذين نظروا إلى مقاصد الحديث ومراميه مخطئين، ولم يكن الذين وقفوا عند ألفاظ الحديث مخطئين.
وما دام الأمر كذلك فإن اختلاف الفقهاء المعاصرين حول ممارسة المرأة لحقوقها السياسية بين مانع رافض محرم، وبين مجيز لا يرى في ذلك بأسا، لا ينبغي أن يخرج هذا الخلاف عن حدود الخلاف الذي حدث بين السابقين الأولين في صلاة العصر في بني قريظة، طالما أن النصوص لم تحسم هذا الأمر حسما شافيا، بل تركت للناس أن يجتهدوا في ضوء المعطيات الواقعية والاجتماعية المختلفة بحسب الأحوال والظروف التي قد تجعل الحكم الجا ئز الآن يتغير غدا، والجائز هنا غير جائز هناك، وهذا ما سار عليه الفقهاء في غير الأمور القطعية الدلالة كأحكام المواريث والأعداد والمقدرات وغيرها.
وقد أردنا أن نذكر بهذا الأمر قبل أن نعرض آراء الفقهاء المعاصرين في هذه المسألة وقبل أن نبين المقصود بالحقوق السياسية واختصاصات المجالس النيابية.
المرأة والمجالس النيابية
أولا: الحقوق السياسية:
تعريفها: المقصود بالحقوق السياسية عند رجال القانون: “الحقوق التي يكتسبها الشخص باعتباره عضوا في هيئة اجتماعية، مثل الانتخاب والترشيح وتولي الوظائف العامة في الدولة.
وبمعنى آخر: “هي الحقوق التي يساهم الفرد بواسطتها في إدارة شؤون الدولة أو في حكمها.
ثانيا: المجالس النيابية:
يعبر عن المجالس النيابية أو مجلس الشعب، في العرف الحديث بأنه: “السلطة التشريعية باعتبار أنه الجهة التي تختص بوضع القوانين التشريعية وإقرار السياسة العامة للدولة، وما إلى ذلك من أمور تبينها الدساتير”
-اختصاصات المجالس النيابية ومهامتها-
تمارس المجالس النيابية اختصاصات كثيرة منها:
- وضع التشريعات (سن القانون).
- إقرار السياسة العامة للدولة.
- إقرار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإقرار الميزانية العامة للدولة.
- الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية على الوجه المبين بالدستور.
- تعديل الدستور.
- إقرار المعاهدات.
وواقع المجالس النيابية في عالمنا العربي يشهد بأنها لا تمارس كل هذه الأعمال، وإن كانت اللوائح المكتوبة والقوانين تنص على ذلك.
آراء الفقهاء:
ثم نعود لإبداء آراء الفقهاء المعاصرين، وأقول الفقهاء المعاصرين لأني أظن أن هذه المشكلة (حقوق المرأة السياسية) بهذا الاصطلاح وبهذا المفهوم وليدة القرن العشرين، نمت مع نمو الحركة النسائية في العالم العربي والإسلامي، ولم يسبق لفقيه إسلامي أن تناولها من قبل بالتأييد أو المعارضة، إلى أن قرأت في دراسة المستشار / فكري أحمد مغاوري أن ابن قدامة في المغني ج11 ص375 (ذهب إلى أن للمرأة حق تولي الوظائف السياسية باستثناء رئاسة الدولة) وقد عدت إلى نفس المصدر فلم أجد فيه شيئا يمت إلى الموضوع بصلة من قريب أو بعيد.
وقلت: لعل هناك خطأ مطبعيا في تحديد الجزء أو الصفحة. والمهم أن الفقهاء المعاصرين منهم المؤيدون ومنهم المعارضون، ومنهم من أيد إعطاء المرأة حق (التصويت) لا حق الترشيح.
ثالثا: حق المرأة في الانتخاب (التصويت):
اختلف علماء الشريعة المعاصرون في جواز أن تكون المرأة ناخبة على رأيين:
الرأي الأول: المجيزون:
ذهبت غالبية العلماء في هذا العصر إلى إباحة إدلاء المرأة بصوتها (رأيها) في الانتخابات، سواء أكانت هذه الانتخابات لانتخاب رئيس الدولة، أو أعضاء المجالس النيابية أو البلدية وما إلى ذلك ومن هؤلاء:
- الدكتور مصطفى السباعي الذي قال في هذا الشأن: “إن الإسلام لا يمنع من إعطاء حق الانتخاب للمرأة، لأنه اختيار الأمة لوكلاء يتولون عنها في التشريع، ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب الشخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي، يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقه.
والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها، والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع.
والمحظور الوحيد في إعطاء المرأة حق الانتخاب، هو أن تختلط المرأة بالرجال أثناء التصويت والاقتراع، فيقع ما يحرمه الإسلام، وقد تقرر دفعا لذلك المحظور أن يجعل لهن مراكز اقتراع خاصة بهن، فتذهب المرأة وتؤدي واجبها، ثم تعود إلى بيتها دون أن تختلط بالرجال أو تقع في المحرمات.
وممن أباح لها حق الانتخاب أيضا: الأستاذ محمد عزة دروزة، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمود شلتوت.
الأدلة على جواز إبداء المرأة رأيها:
وقد استدل العلماء بأدلة كثيرة على جواز إبداء المرأة رأيها في انتخاب أعضاء المجالس النيابية، وهذه الأدلة في الغالب هي نفس الأدلة التي استدلوا بها على جواز دخول المرأة للمجالس النيابية، وسأستعرضها بشكل موجز جدا فيما يلي:
- قوله تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” (البقرة: 228)
أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن بالمعروف الذي أمر الله به من حسن العشرة وترك الضرار ونحوه (صفوة التفاسير ج1 ص146) ومعنى ذلك أن التسوية بينهما في الحقوق الاجتماعية تامة كاملة، وأن التسوية بينهما في إبداء الرأية وتقديم النصح وإظهار المشورة لا تقل عن ذلك. ويبقى قول الله: “وللرجال عليهن درجة” أي للرجال على النساء ميزة وهي فيما أمر الله به القوامة والإنفاق والإمرة ووجوب الطاعة فهي درجة تكليف لا تشريف لقوله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (المرجع السابق)
- قوله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” (التوبة: 71)
- أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أمان أم هانئ يوم فتح مكة. إن الصحابية أم هانئ قد قبلت إجازة كافرين يوم فتح مكة، وأعطتهم الأمان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أمانها، قالت أم هانئ يوم فتح مكة: إنني أجرت رجلين من أعمامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)) هذا بعد أن أراد علي -رضي الله عنه- قتلهما.
- أن النبي عمل بمشورة زوجته أم سلمة يوم الحديبية. حيث جاء فيها: “عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم -أي الصحابة بعد فراغهم من كتابة الصلح- أمرهم بالنحر والحلق ثلاث مرات، فلم يقم منهم أحد، فدخل على أم سلمة -رضي الله عنها- وهو شديد الغضب، فاضطجع، فقالت: ما شأنك يا رسول الله؟ فذكر لها ما لقي من الناس، وقال لها: هلك المسلمون؛ أمرتهم أن ينحروا، ويحلقوا، فلم يفعلوا، فقالت يا رسول الله: لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم، مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، ورجوعهم من غير دخول مكة.
ثم أشارت إليه أن يخرج، ولا يكلم الناس، وينحر، ويحلق رأسه، ففعل ذلك، أي أخذ الحربة، وقصد هديه، وأهوى بالحربة إلى بدنة، رافعا صوته بسم الله والله أكبر ثم دخل قبة له من أدم، ودعا نجراش الخزاعي، فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة .. ولما رآه الناس نحر، وحلق، قاموا ونحروا، وحلقوا، وجعل بعضهم يحلق لبعض، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا، للازدحام وإرادة التعجيل. اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
- “يا أيها النبي، إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وارجلهن ولا يعصينك في المعروف فبايعهن، واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم” (سورة الممتحنة 12)
وتطبيقا لذلك فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم وفد الأنصار رجالا ونساء في بيعة العقبة الثانية، وقد آلت النساء على أنفسهن في هذه البيعة الدفاع عن الإسلام والذودعنه.
وهذا يدل على إمكانية مشاركة المرأة في الحقوق السياسية المختلفة لأن هذه البيعة تعد بمثابة عمل سياسي بمعنى الكلمة بين المشاركين لأنها كانت تتضمن نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عن أهلها (الدكتور محمد أنس قاسم جعفر – الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام والفكر والتشريع ص61 نقلا عن دراسة المستشار / فكري أحمد مغاوري).
- وخطب عمر رضي الله عنه فقال: أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أحدا من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا؟ يقول الله تعالى: “وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” فقال رضي الله عنه: أصابت امرأة وأخطأ عمر (الكشاف ج1 ص379. نقلا عن صفوة التفاسير ج1 ص268)
ومعنى هذا أن للمرأة أن تبدي رأيها أمام أعلى قيادة في الدولة، وأن على القيادة أن تنزل عن رأيها إلى الرأي الذي يحمل الحق ويستند إلى الشرع ولو جاء من بعض النساء.
- قوله صلى الله عليه وسلم ((الناس بنو آدم، وآدم من تراب)). أبو داود ح2 ص624
- وقوله صلى الله عليه وسلم ((إنما النساء شقاق الرجال)) مسند الإمام أحمد ح6 ص256
الرأي الثاني: المانعون:
وهناك من العلماء من قال بعدم جواز خروج المرأة إلى صناديق الاقتراع ومنهم:
- الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر سابقا، انظر: فتاوى شرعية وبحوث إسلامية للشيخ حسنين مخلوف ص214+219
ويستند المانعون إلى بعض آيات القرآن الكريم، ومنها: قول الله: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”.
ونقول إن قوامة الرجل قوامة تكليف لا تشريف، لأن الأسرة هي المؤسسة الأولى في المجتمع الإسلامي، وهي (الأسرة) محتاجة إلى من يدبر شئونها ويقود دفتها، وهذه مهمة منوطة بالرجل، لكن القوامة ليست بمانعة من المشاورة والمناصحة والنزول على رأي المرأة (ربة البيت) طالما كان هذا الرأي صحيحا صائبا، فإن تعدى هذا الرأي الصائب نطاق المصلحة الخاصة في الأسرة إلى نطاق المصلحة العامة في المجتمع قـُبِلَ وعُمِلَ به، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين أم سلمة في صلح الحديبية، وكما أقرَّ ما فعلته أم هانئ يوم الفتح.
ويستند المانعون أيضا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي عن أبي بكرة: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” وحول هذا الحديث نقول: إن الحديث صحيح الإسناد، لا مطعن في سنده، وإذا كان البعض يرى أن (الحسن) البصري أحد رواة الحديث لم يسمع من أبي بكرة رضي الله عنه فإن الإمام البخاري يقول: (قال لي علي بن عبدالله) أي ابن المديني إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. والحديث المشار إليه هنا مروي “في باب الصلح” (فتح الباري 5/307 ط: دار الفكر) وقد رجعنا إليه لنطمئن إلى سند الحديث الذي معنا “لن يفلح قوم..”
يقول الإمام ابن حجر: “قال الخطابي: في الحديث إن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وفيه أنها لا تزوج نفسها ولا تلي العقد على غيرها” ثم يعقب على ذلك بقوله: “كذا قال، وهو متعقب والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور، وأجازه الطبري، وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء (فتح الباري ج8 ص128. ط: دار الفكر)
والحديث أيضا ليس في حالة خاصة، لأن أبا بكرة استند إليه في القعود عن المشاركة في الحرب مع أي طرف من أطراف يوم وقعة الجمل. ولكن الحديث كما قدمنا ليس قطعي الدلالة في ثبوت منع المرأة من إبداء رأيها ومشاركة غيرها، دون أن تكون لها ولاية عامة بأن تتولى ملك بلد ما كما فعلت بُوران بنت شيرويه بعد أن قـُتل شيرويه بن كسرى أباه ثم مات مسموما بعد ذلك بستة أشهر ولم يكن له عقب ذكر فوليت ابنته بوران ملكة على البلاد.
ومن المعلوم أن الملوك في ذلك العهد كانوا مستبدين، لا يشاورون ولا يصلحون، مما يجعل الحديث قابلا للتفسير الذي أورده المستشار / فكري أحمد مغاوري في مقالته نقلا عن الدكتور / محمد أنس قاسم جعفر وهو “نهى عن الولاية التي تسيطر فيها المرأة سيطرة كاملة على الأمور في الدولة وتستبد بالحكم ولا تلجأ للشورى، مما لا يفيد الحظْر في مشاركتها كل الحقوق السياسية طالما سيشاركها آخرون”
الرأي الراجح:
هو جواز انتخاب المرأة لمن تراه صالحا، ليكون عضوا في المجالس النيابية وغيرها، بشرط أن تكون مراكز الاقتراع مفصولة، فيكون للرجال مراكز، وللنساء مراكز، وأن تخرج المرأة متحشمة، وفي حدود الأدب الإسلامي، وبشرط ألا تدخل في تحزبات الرجال، واجتماعاتهم ومجادلاتهم.
والتاريخ الإسلامي القديم يؤيد ذلك، فعلى سبيل المثال:
عبدالرحمن بن عوف –رضي الله عنه- نهض يستشير الناس في تولية علي وعثمان –رضي الله عنه- بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و يجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى، مجتمعين سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن، وحتى سأل الولدان، في المكاتب (البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير ج7 ص159-160).
رابعا: ترشيح المرأة نفسها لدخول المجلس النيابي:
اختلف الباحثون الإسلاميون في هذا الشأن بين مجيزين ومانعين:
الرأي الأول: المجيزون:
وهم الذين يقولون بأن للمرأة ممارسة حقوقها السياسية لأن لها أهليتها ولها شخصيتها المستقلة ولها حقوقها الاجتماعية وكذلك لها حقوقها السياسية التي لا يعارضها نص شرعي ومن هؤلاء: الأستاذ محمد عزت دروزة حيث يقول: “إن ترشيح المرأة لنفسها مع أهليتها، وحقوقها السياسية والاجتماعية واستقلال شخصيتها، وكل ذلك مما قرره لها القرآن نصا صريحا وحتما، وإلى هذا فإنها نصف المجتمع، وكل ما يتقرر في هذه المجالس تتناولها كما يتناول الرجل على السواء.
فمن حقها أن يكون لها فيه رأي مثله (الرجل)، والقول بأن هذا يشغلها عن طبيعتها ومهامها، لا يقف أمام الوقائع والحقائق، فالانتخابات تقع عادة في فترات متباعدة، وتشغل من أوقات الناس أياما قليلة، والمرشحون للمجالس أفراد قليلون جدا، فليس في كل هذا ما يصرف جمهور النساء، ولا جمهور الرجال عن أعمالهم المعتادة، وكثير من النساء يشتغلن خارج بيوتهن في أشغال متنوعة من غير إنكار كالتعليم والتمريض .. وغيرها.
وهذه الأعمال تشغل عددا منهن، أكثر بكثير مما يمكن أن تشغله النيابة التي لن تتاح إلا لأفراد قلائل جدا منهن، فضلا عن أنها تشغل في أوقاتها، أقل بكثير مما تشغله تلك الأشغال الأخرى كالتعليم والتمريض. (المرأة في القرآن والسنة، محمد عزت دروزة، ص49-50)
أدلة المجيزين:
استدل هؤلاء المجيزون بأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع والقياس، وهي نفس أدلة القائلين بجواز انتخابها لمرشحي المجالس النيابية والتي ذكرنا جزءا منها.
الرأي الثاني: المانعون:
على رأس هذا الفريق لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، والإمام أبو الأعلى المودودي، والشيخ حسين مخلوف مفتي مصر سابق، وقد بنوا رأيهم على أن المجلس يُمثل ولاية عامة وهذه جاء النص بالنهي عنها في قوله e “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” (البخاري “الفتح ح13 ص53”) وهؤلاء يرون أن الانتخاب ممنوع باعتبار أن الانتخاب طريق إلى الترشيح كما تتفق دساتير العالم.
وأكدوا رأيهم بمجموعة من الأدلة منها:
- قوله تعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” (النساء: 34)
وقد تعرضنا لمعنى الآية من قبل.
المرأة والمجالس النيابية في القوانين الوضعية:
إن غالبية دول العالم تبيح دخول المرأة للمجالس النيابية، ولكن الملاحظ هو أنه مع إباحة ذلك للمرأة فإنها تعرض عنه. وتقول الإحصائيات إنه في عام 1964 كان هنالك أربعون نائبة في الجمعية الوطنية الفرنسية، وقد تدنى العدد إلى ثماني سيدات فقط في عام 1972.
وتقول الإحصائيات: “إنه رغم الضجيج الذي يكتسح الولايات المتحدة هذه الأيام حول حركة تحرير المرأة، فهنالك تراجع في عدد النساء اللاتي يتبوأن مراكز مؤثرة في السلم السياسي، حيث لم يتسن سوى لامرأة واحدة أن تتولى منصب الحاكم في إحدى الولايات مؤخرا، وذلك على الرغم من أن المرأة قد شقت طريقها في مجالات العمل الأخرى على قدم المساواة مع الرجل.
والمرأة في الديمقرطيات الغربية رغم تمتعها بحقوق مساوية للرجل، ما تزال بعيدة عن ممارسة هذه الحقوق.
نظرة الواقع العملي:
وأسجل هنا ما كتبه المستشار فكري أحمد مغاوري (إن جزءا كبيرا من الاجتهاد يجب أن يتجه إلى رصد الظواهر الاجتماعية وفهمها وتحليلها وتصور الحلول التشريعية المختلف التي تتعامل معها، على اعتبار أن التشريع هو رعاية لمصالح الناس بسلطان الحكم، وقال الإمام الشاطبي بحق أن “تكاليف الشريعة ترجع كلها إلى تحقيق مقاصدها في الخلق”. وحين يمارس الاجتهاد، وتعرض على المشرع والفقيه ورجل السياسة حلول متعددة تقبلها الشريعة الإسلامية وتتسع لها، فإن الاختيار لا بد أن يحكمه فهم الواقع الاجتماعي وتحليل حركته.
أ- وحين نستنطق الواقع الاجتماعي ونحلل حركته نجد من خلال تتبعنا للعاملين في الحقل الإسلامي أن الذين تصدوا بالمنع لإعطاء المرأة الحقوق السياسية لا يُعارضونها على التحقيق والشواهد على ذلك كثيرة:
- على مستوى كبرى الحركات الإسلامية في العالم “الإخوان المسلمون” “حزب الفضيلة” نرى أنهم يُجيزون للمرأة الحق السياسي –ترشيحا وانتخابا- وهذا واضح في أدبياتهم الفكرية وممارساتهم السياسية.
- الجماعات السلفية والتي تجعل من مبدأ طاعة الولي ركيزة أساسية في منهجها الفكري والدعوي، وتفاصل عليه حين الاختلاف يُقرون أن المسائل الخلافية العملية يحسم الرأي فيها ولي الأمر.
والتاريخ الإسلامي فيه من الأمور الخلافية التي هي أكبر من المسألة التي نناقشها ومع ذلك يحسم الأمر فيها القاضي أو الحاكم حين يصدر حكمه، فعلى سبيل المثال: اختلاف ابن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما بلغت مائة مسألة كما يقول ابن القيم، والتي منها:
- قول الرجل لامرأته “أنت علي حرام”:
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى أنها طلقة.
- ابن مسعود رضي الله عنه يرى أنها يمين.
- رجل زنى بامرأة ثم تزوجها:
- عمر رضي الله عنه لا يرى بأس في ذلك ويُعتبر أوله سفاحا وآخره نكاحا.
- ابن مسعود رضي الله عنه يرى أنهما لا يزالان زانيين ما دام أنهما مجتمعين.
ج- أبو بكر رضي الله عنه يرى سبى نساء المرتدين وعمر رضي الله عنه لا يرى ذلك، فرضي الله عنهم لم يُفسد الخلاف في هذه المسائل الكبيرة الحب والود بينهم.
وغير ذلك من المسائل التي عند وقوعها يحسم فيها القاضي والحاكم، فإن كان الأمر يتعلق بترتب بطلان النكاح من عدمه يدخل فيها حكم الحاكم، فكيف في الأمور التابعة للسياسات المصلحية العامة.
3- الحركة الدستورية قبل أكثر من تسع سنوات كتبت في وثيقتها المنشورة تحت اسم ما نصه ” “
- أما في مجال التطبيق الواقعي فنرى أن كل شرائح المجتمع والإسلاميين في المقدمة يدفعون بالنساء لإنجاح مرشحيهم في “جمعيات النفع العام، الجمعيات التعاونية، والنقابات والاتحادات” فلماذا لم تُخش المحاذير الشرعية التي تذكر في معرض الحديث عن الانتخابات البرلمانية؟!! كما أن غالبية المجتمع الكويتي بناتهم وزوجاتهم يشتغلن في الوظائف العامة (طبيبة – مهندسة – موظفة .. إلخ)
4- أن كل الحركات الإسلامية والصحافة التابعة لها رفعت لواء التأييد للنائبة التركية “قاوقجي” وجعلت منعها من الدخول إلى البرلمان دليلا على علمانية تركيا وعدائها للإسلام وخرقها لقانون حقوق الإنسان، وكان المفروض ممن يرى حرمة دخول المرأة البرلمان أن يفرح لمنعها ويعتبر هذا صرفا من الله سبحانه من أن تقع هذه المسلمة المحتشمة في الحرام!!
ومن الملاحظ والتتبع أن الكثير من نساء التكتلات السياسية والطائفية والقبلية تمارس عملية الدعاية والتعريف بمرشحيهم في داخل البيوت ومن خلال الزيارات البيتية.
ومن ناحية أخرى فإن مشاكل الاختلاط والسفور والتبرج وغيرها من المشاكل الأخلاقية التي يمكن أن تحدث مع الحق السياسي للمرأة يمكن معالجتها من خلال أمور إجرائية في الإمكان سنها في عملية الاقتراع والترشيح، كما يمكن إدخالها بنفس القانون حين مناقشته في المجلس القادم لإقراره كما ينص الدستور، وهنا نقول بأن مشاكل الاختلاط والتبرج والإعلام وأثرها في البناء الأخلاقي مسألة لا علاقة لها بالحق السياسي، بل من الممكن أن تقول ذلك حينما يكون خروج المرأة من بيتها فقط لممارسة حقها السياسي، وهذا غير مطبق في الواقع، ولا يحتاج إلى دليل لبيانه، ولهذا كان لزاما أن تكون مناقشة الأعضاء والمرشحين في برامجهم الانتخابية ترتكز على القضية الاجتماعية والأخلاقية بدلا من المزايدات السياسية والدينية بمحاضرات وخطابات عامة، فالمشكلة الأخلاقية اليوم ما من بيت إلا وقد اكتوى بنارها كبر أم صغر والاختلاف إنما هو في نسبة التدمير الأخلاقي لكل شخص.
ثالثا: أن مرسوم إعطاء المرأة لحقها السياسي وإن تم إقراره في مجلس الأمة القادم، فهو لا يعدو أن يكون في دائرة الإباحة لا الإلزام، وهنا يسع كل من يرى حرمه هذه الحقوق منع من له عليهم حق الولاية من ممارسة هذا الحق إن كان يعتقد أنه حرام، فالتبعية هنا فردية والإنسان يستفتي قلبه وإن أفتوه “وكلهم آتيه يوم القيامة فردا“
رابعا: تطبيق قواعد الحوار والنقاش في بحث هذه المسألة وهي:
- بدء الحديث والحوار بمواطن الاتفاق.
- سلوك الطرق العلمية في الحوار “إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مُدعيا فالدليل”
- التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب في الحوار.
- أن يكون المحاور متأهلا علميا للحوار “قال الإمام الشافعي: ما جادلت عالما إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني”
- وضوح طبيعة الاختلاف في الرأي كما تبين المقولة المشهورة “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب”
- الأخذ بوسائل الحوار والتي منها “الطرق المنطقية والقياسات الجدلية من المقدمات والمسلمات.
- الأحكام الظنية: سواء كانت أحكاما لا نص فيها، أو فيما فيه نص ظني الثبوت أو ظني الدلالة، أو ظنيهما معا، هي مجال الاجتهاد، فعلى سبيل المثال، مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب يقوم على إتباع الأثر، ومع ذلك ففيه روايات متعددة في المسألة الواحدة، وكتاب الإنصاف دليل على ذلك. ومثال آخر على الاختلاف بحسب الفهم قضية صلاة العصر في بني قريظة حين قال لهم النبي e بعد غزوة الأحزاب “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصلين العصر إلا في بني قريظة”
- الأخذ بالاعتبار طبيعة الفروق الفردية بين البشر: فمما لا شك فيه أن مستويات فهم الناس للكلام تتفاوت، مع تساويهم أمام الرؤية بالعين المجردة، قال ابن الجوزي: ما أكثر تفاوت الناس في الفهوم، حتى العلماء يتفاوتون التفاوت الكبير في الأصول والفروع، لذلك لا بد من مخاطبة الناس على قدر أفهامهم، قال ابن مسعود: “ما من رجل يُحدث قوما حديثا لا تدركه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم”
- الابتعاد عن التطرف بالرأي في الحوار نحو:
- التعصب للرأي تعصبا لا يعترف للآخرين بوجود.
- جمود المحاور على فهمه جمودا لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر.
- اتهام من يُخالفه في الرأي بالجهل واتباع الهوى كإنما جعل من نفسه نبيا معصوما، ومن قوله وحيا يوحى، وهذا العنصر يُجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل ولكنه لا يجيز لعلماء العصر المتخصصين أن يجتهدوا في رأي يُخالف ما ذهب إليه.
- إرهاب المقابل لا بالعصا بل بالاتهام بالبدع والاستهتار بالدين.
حال الأمة في الأحقاب الأخيرة ومسألة الخلاف:
الأمة في الفترة الأخيرة من الدولة العثمانية إلى سقوط الخلافة إلى سيطرة ما يُسمى بالأنظمة الثورية عاشت في مجموعة إحباطات من خمول في العقيدة، وزعزعة في الإيمان والسلوك والاستقامة ومع هذا الواقع بدأت فئات كثيرة من أبناء الأمة تدرك الحقيقة الكبرى “أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح بها أولها” وظهر ما تم الاصطلاح عليه “بالصحوة الإسلامية” فبدأت المعركة مع هذه الصحوة في الداخل والخارج، وأخذت الصحوة تتعثر عند صخرة الخلاف المقيتة فعلى إطار المسائل الفقهية بدأ الصراع بين من ينتسب إلى المذهبية ومن يدعو إلى اللامذهبية، وبدأت الاتهامات حتى وصلت إلى التفسيق والتبديع، وفي هذا الصراع كانت هناك غفلة عما يتعرض له الإسلام من هجمات خارجية شرسة، وعند التحقيق نرى أن الجميع يأخذ من الأئمة الكبار! فلماذا لا يلتزمون بآداب الاختلاف التي عاش في كنفها كرام الأئمة من السلف، ولعل ما نعيشه من اختلاف بعيدا عن آداب الحوار يرجع إلى الجهل بالإسلام أو العلم الناقص به وهذا يستلزم أمورا منها:
- أن شباب الدعوة لا بد أن يأخذوا أنفسهم بالأدوات التي يتعاملون بها من منبع كتاب الله وسنة نبيه e وكتب العلماء.
- التعامل مع الشريعة بالمقصد الذي جاءت به من إدخال السعادة على الناس في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وتحقيق المقاصد والكليات الخمس.
- إدراك أن من أهم واجبات المسلمين أن يدركوا أن أخوة الإسلام ووحدة صفوف المسلمين تأتي في أولويات العمل، كما أنه لا بد من معرفة خطورة عدم الالتزام بآداب الحوار وسياج هذا كله مراقبة الله سبحانه في كل تصرف ولفظ.
- المحور الثالث: وحدة الصف ونبذ الخلاف المذموم.
إن الإسلام ما أكد على شيء مثل تأكيده على الإيمان والأخوة، أو بعبارة أخرى تأكيده على “كلمة التوحيد” “وتوحيد الكلمة” قال تعالى: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”[1] والخلاف عندما يفقد أخلاقياته يسقط المجتمع فريسة سهلة للتآكل الداخلي، والتنازع والتناحر الذي أورثنا معيشة ضنكا وذهاب الريح، قال تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”[2] والخلاف منه ما هو مرفوض وما هو مقبول، وسلف هذه الأمة اختلفوا لكنهم لم يتفرقوا لأن وحدة القلوب والغايات والأهداف كانت أكبر من أن ينال منها شيء، والاختلاف حين لا يتجاوز حدوده، وحين يلتزم الناس بآدابه يكون ظاهرة إيجابية لها آثار، منها:
- التعرف على جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل أومأ إليها بوجه من وجوه الأدلة.
- الاختلاف الملتزم بالآداب يعتبر رياضة للأذهان وتلاقحا للآراء.
الخلاصة
- أن المرسوم لم يوجب ولم يحرم وإنما جعل الأمر في دائرة الإباحة فليس هناك إلزام لأحد.
- أن المسألة خلافية يحسم فيها ولي الأمر بحسب نظام كل دولة.
- أن الأمور الإجرائية بابها واسع عند تقرير الحكم الذي يراه الحاكم.
- أن التطبيقات الواقعية تبين أن الجميع يرى إباحة الأمر باعتبار الممارسات المماثلة الكثيرة.
[1] الأنبياء: 92
[2] الأنفال: 46