الحياة دار كبد ومشقة
يقول الله تعالى {لقد خلقنا الإنسان في كبد} إن الحياة دار للنصَب والتعب وليست مثالية والاعتقاد بأنها مثالية سوف يجعلك تنفق وقتك وتضييعه هدراً في الشكوى والمرء محتاج إلى إظهار ملكات الإبداع من أجل التغيير نحو الأفضل، فلكي تكون سعيداً أخي المسلم في هذه الدنيا فعليك أن تفسر دائماً الظواهر تفسيراً إيجابياً يشعرك بالسكينة والراحة، فإذا مللت من العمل فحوّله إلى نوع من الاسترخاء وإعطاء التفكير إجازة لبعض الوقت لتعود وأنت أكثر قدرة على الإبداع والخلق والابتكار، فهذا النوع من الاسترخاء يخلصك من قدر هائل من الضغوط التي تتعرض لها يومياً .
ومعترك الحياة نفسه قد يصيب المسلم بالتوتر بسبب الضغوط المختلفة أيضاً، لكن كل توتر تتعرض له ينبغي أن تتحمله اعتقاداً منك أن ذلك في مقدورك لأن ثقتك في قدرتك على التحمل تخفف منه، ويمكنك أن تروح عن نفسك وتسرّى عنها بما هو مشروع حتى وتعود إلى صفائك الذهني وهدوئك القلبي لتؤدي واجباتك الحياتية لأن الحياة ليست حالة طوارئ متواصلة .
الفهم أولاً
لا بد من أن نفهم أن الذين نتعامل معهم لا يمكن أن يكونوا على الحال التي نريدها أو يتصرفون بالطريق التي نرغبها، ولكي تعيش حياة مفعمة بالسكينة، خالية من التوتر ديدنها الطمأنينة لا تنساق وراء توافه الأمور والأشياء الصغيرة التي يمكن أن تستفزك، وعجباً لهؤلاء الذين يتطاحنون في الدنيا بسبب التكالب والتصارع من أجل مكاسب دينوية رخيصة وفانية .
فالفهم وإدراك طبيعة المشكلة أصل مهم من أصول التواصل الفعال مع الآخرين ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم بذل في المجتمع المكي سنوات حاول فيها فهم تركيبة هذا المجتمع وإدراك قدرات كل صحابي لتحديد الأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، وحين وجد أن هذا المجتمع لم يعد خصباً للدعوة إلى الله على الأقل على المدى المنظور هاجر إلى المدينة، فكانت الفتوحات العظيمة، إذن التفكير الواعي والمدرك وفهم طبيعة الأشياء، وفقه الواقع يجعلك تعيش حياتك دون توتر أو قلق، فإذا تعرضت للأذى من الآخرين كالأطفال مثلاً فعليك أن تتخيل ملامح وبراءة عيني الطفل الصغيرتين وأن ما يقومون به من محاولة جذب انتباهك أو لفت نظرك ليس الهدف منه تعطيلك عن القيام بأعبائك وإنما هو الحب الذي يكنه هذا الطفل لك، ومن ثم فهو يحتاج إلى توجيه وحكمة في التعامل .
أما الطاعنون في السن فعليك أن تتفهم ظروفهم ودوافعهم وأن تعاملهم كما لو كانوا أطفالاً حيث البر بهم وتقديم الرعاية لهم، فكلما يتقدم العمر بالإنسان تضعف قواه العقلية ويحتاج إلى معاملة خاصة ولهذا يستحسن أن تدخل لكل إنسان من زاوية اهتماماته وتعلم كيف يمكنك توظيفه بعد إنضاج هذه الاهتمامات، حاول وسوف تحصد ثمارا طيبة، المهم لا تكن صدامياً واجعل شعارك الفهم أولاً .
والمثال الصارخ في حياتنا الذي يدعوك إلى اعتناق مبدأ الفهم أولاً هو كثرة حالات الطلاق، فنسبة كبيرة من الزيجات تنتهي بأبغض الحلال إلى الله بسبب عدم التفاهم وعدم القدرة على الوصول إلى أرضية مشتركة، فلو حسنت النوايا وساد التفاهم في ظل الحب وتسابق كل زوج في إسعاد الآخر عبر فهم طبيعته وتركيبته لتغير الحال وصارت الحياة بعيداً عن الكدر ولتحقق السكن والدفء الزوجي { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }، إذن لا بد من فهم أن المرأة تفكر بعاطفتها لا بعقلها كما أنها تمر بأغيار شهرية تجعلها شديدة العصبية، وكذلك لو تفهمت المرأة قول الرسول { لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها } وقتئذ لن تكون هناك مشكلة وسوف يسود السلام الداخلي في النفوس، ويذكر أن زوجين قضيا العشر سنوات الأولى من زواجهما في حالة من الإحباط والخلاف، وقد ضاع أي تفكير عقلاني بينهما في غمرة هذا الخلاف، وموطن الخلاف أن الزوجة كانت اقتصادية بينما الزوج كان مسرفاً، فلم تكن تدري الزوجة السر وراء كونه مسرفاً وكذلك الزوج لم يكن يعرف سبب إمساك الزوجة، أي لم يتفهم كل منهما وجهة نظر الآخر لكن حينما تفاهما وعرف الزوج أن الزوجة كانت تدخر حتى تتجنب الكارثة المادية التي أصابت أبويها وهي في الواقع تخشى من خطر الإفلاس كما كان الزوج خجولاً من عجزه عن الاعتناء بها كما كان الحال مع أبويها وكان يرغب في أن يفتخر به ومع تعلم كلاهما تفهم الآخر، تحول شعور كل منهما تجاه الآخر من الكراهية إلى الحب وساد حياتهم توازن جيد بين ما ينفقون وما يدخرون .