بقلم الشيخ / د. جاسم مهلهل الياسين

أصول الدين

لا مجال للتردد في عرض الأصول الدينية أمام الناس، ولا مجال للمساومة تجاهها، أو الاختيار من بينها، أو التشكيك في بعضها، أو المهادنة حيال المتشككين المشككين في هذه الأصول من غير أن تكون لهم رغبة حقيقية في الوصول إلى الصدق واليقين، وإنما هم يسيرون وراء هوى غربي أو شرقي يقلدونه وهم معصبو العيون عما عندهم من تعاليم الله وتعاليم رسوله وهديه في سيرته وسنته، فيتركون ذلك المنهج المعصوم، ويلوذون بمناهج أخرى أرضية يقلدونها، وإن خالفت مبادئ السماء، ويجهرون بها وإن أفسدت جيلا من الأبناء.

أصول الدين في العقيدة والشريعة لا خلاف عليها بين جميع علماء الأمة في جميع عصورها وأمصارها، وهم في ذلك يتبعون هدى الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أبى كل مساومة مهما كثرت الإغراءات (ملكا كانت أم مالا، أم نساء) وقال قولته المشهورة بين الناس “والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت دونهيقول هذا وهو في المرحلة المكية مع قلة من أصحابه يلحقهم أعظم البلاء وأشد الإيذاء، ولكنه يأبى إلا أن تكون الأصول واضحة والحقائق ناصعة لا يقبل فيها أنصاف الحلول، لقد عرض عليه المشركون أن يعبد آلهتهم يوما، ويعبدون إلهه يوما، فأنزل الله “قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون..السورة، ليكون هذا بيانا للناس وبلاغا لهم أن أصول هذا الدين لا يصح أن يزاحمها في قلب المؤمن شيء، فضلا عن أن يتخلى عنها ليضع مكانها مبادئ بشرية، وأضاليل  أرضية.

على أن هذا لا يمنع المؤمنين من أن يأخذوا من غيرهم ما يوافق مقاصد دينهم ولا يعارضها، وفرق بين أصول يجب أن يأخذها الصغير عن الكبير، وتتربى عليها الأجيال، لتصنع في أنفسها القوة المعنوية المؤثرة في الحياة التي تأبى الاستسلام عند البلاء وإن اشتد، وترفض الخضوع للأعداء وإن تمكنوا، وتعلن في عزم وتصميم أنها تعيش على هذه الأصول وتموت في سبيلها.

أقول فرق بين التمسك بالأصول ثم بعد ذلك قد نوافق الآخرين فيما لا يتعارض معها، بل يوافق مقاصدها، ويحقق غرضها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في (حلف الفضول) حيث شارك في التعهد على رفع الظلم عن المظلوم ورد مظلمته إليه، والوقوف في وجه الظالم، وقال عن هذا الحلف “لو دعيت به في الإسلام لأجبت” فرق بين هذا وبين التخلي عن الأصول، أو إهدار مقاصدها، أو اتخاذ ما يناقضها ويعارضها في غير مواربة، مما يحاول البعض أن يفعله تحت دعوى (الحرية) التي يظلمونها حين يرفعون شعارها ليهدموا تحت ظله قيم المجتمع ومبادئه، تلك التي تدعو إلى إحياء القلوب ورفع الرؤوس، وإعلاء الكرامة، وتحقيق العزة والشهامة، فلتكن كلمة الحرية في أيدي هؤلاء هي معول الهدم لهذه القيم والمبادئ، ولتكن هي السكين الذي يذبح به الفضائل.

الحرية المظلومة والكتب الممنوعة

إن الحرية ليست خالية من الضوابط التي تقيد الناس وإلا صارت فوضى، هل من الحرية أن تسير عكس الاتجاه؟ هل من الحرية ألا تتوقف أمام إشارة المرور الحمراء؟ هل من الحرية أن تصادم الناس -كل الناس- في معتقداتهم ودينهم ومبادئهم وقيمهم؟ هل من الحرية أن يبيع الناس ما يشاءون ولو كان من المحرمات؟ أنفتح الباب أمام تجار المخدرات بدعوى حرية التجارة؟ أنبيح لتجار الأغذية الفاسدة أن يفرضوها على الناس في الأسواق، بدعوى أن الناس أحرار فيما يأكلون، أحرار فيما يشترون، إذا كان أحد لا يوافق على هذا فلماذا يوافق على أن تعرض العقول جنونها؟ ولماذا يوافق على أن تعرض الغرائز نزواتها؟ ولماذا يوافق على أن تذبح العقيدة بسكين أحمر حين يسب هذا الذابح ذات الله -سبحانه-؟ ولماذا نفسح لهؤلاء في ديارنا، ونعرض شذوذهم في معارضنا، ونقول لأبنائنا وبناتنا: خذوا فاقرؤوا واعملوا كما يفعل هؤلاء وإن أنكره كبار السن، فلا تسمعوا لهم فإنهم رجعيون، ونحن تقدميون، وهذه سمتنا نعلنها بينكم فخذوا طريقتنا في الحياة، ارتعوا في دنياكم، وحققوا لشهواتكم مطالبها، ولا تركنوا إلى عقيدة، ولا تفعلوا عبادة، وليكن همكم الشراب والطعام والشهوة من غير أن تمنعها عقيدة ولا تصدها من المنكرات عبادة؟ إنهم يقولون للشباب بلسان الحال: أنتم أحرار فيما تفعلون وتقولون وتلبسون، وإياكم أن يخيفكم أحد بعذاب من الله، فهذه خرافة فلا تركنوا لها وأسطورة فلا تأبهوا بها (انظر: العقل بين الشذوذ والجحود “المنار العدد:7”).

كل هذا يتم بدعوى الحرية، وإن شئت الحق فقل: إنه الهدم في الجيل الجديد الذي هو ذخر الكويت في مستقبلها، وعدتها في بناء مجتمعها والمحافظة على كيانها في قادم الأيام، ولا صلة لهذه من قريب أو بعيد بدعوى الحرية، لأن الحرية أن تفعل ما لا يضرك أو يضر الآخرين، وبمعنى آخر أن تفعل ما ينفعك دون أن تلحق ضررا بأي شخص آخر، فليس من حق الإنسان أن يقدم على الانتحار بدعوى الحرية، وليس من حقه أن يدخل بيوت الآخرين بغير إذنهم بدعوى الحرية، وليس من حقه أن يسيء إليهم بدعوى الحرية، وليس من حق أحد أن يرتد عن دين الله بدعوى حرية الأديان والاستشهاد خطأ بقول الله “لا إكراه في الدينلأن الآية تلزم المؤمنين ألا يكرهوا أحدا على الدخول في الدين، ولا صلة لها بالمرتدين الذين جاءت السنة بأحكامهم الشرعية التي ليس هنا مجال تفصيلها.

ولو أبحنا للناس أن يغيروا دينهم لصار الدين ألعوبة في يد من يشاء يسلم حين يكون الظرف مناسبا للإسلام، ويكفر حين يكون الظرف مناسبا للكفر، ويتقلب بين هذين الاتجاهين بحسب الظروف والأحوال.

فأي دين هذا؟ إن الدين ليس زيا يبدل حسب ظروف الجو، أو طعاما يؤكل ويطلب عند الاشتهاء ويعرض عنه في غير ذلك، إن هذا إساءة للدين،  وإساءة للمؤمنين.

وكل ما يمس أصول الدين ومبادئه ينبغي أن يصان -في مجتمع المؤمنين- فلا يتعرض له متعرض إلا بخير لأنه يتعرض لشيء مقدس يحمله قلب كل مؤمن يعيش فوق هذه الأرض.

فلا ينبغي أن يفرض علينا في بلدنا المسلم إعلام غربي أو شرقي يخالف ما جاء به الدين تحت إطار (الحرية).

إننا -حقا- نعيش في مجتمع مفتوح، ولكن انفتاح المجتمع لا ينبغي أن يمس مقدساتنا، وإن من واجبنا أن نوجد في داخلنا حاجزا يمنع انهيار الأخلاق، ويمنع التعدي على القيم، وللأسف فنحن نقر في بلدنا المسلم أن يتلاعب الإعلام بأبنائنا تحت مسمى: (الحرية) وأن يسيء إلينا أجمعين.

فمن الذي لم تلحق به الإساءة في هذا البلد بعرض الكتب التي تسب الذات الإلهية؟ ومن الذي لم تلحق به الإساءة في هذا البلد بعرض الكتب الداعية إلى الإباحية الجنسية؟ أية حرية هذه التي يريدون؟!!!

ساء ما يقولون وبئس ما إليه يدعون أو يفعلون.

إننا ما زلنا متمسكين بموقف مبدئي لنا تجاه دول معينة (دول الضد) لأنها وقفت منا موقفا غير مؤيد لقضيتنا العادلة، ولو أخذنا بمبدأ أن الناس أحرار في مواقفهم وأقوالهم لكنا مخطئين في موقفنا منهم، فهل نحن مخطئون في حقهم بناء على هذا المبدأ الجائر؟

وإننا نغضب من قناة الجزيرة لانحيازها إلى جانب العراق، ومحاولتها المستمرة أن تبث ما لا نقبله لأنه لا يتفق مع تصوراتنا لهذه القضية، فلماذا هذه الغضبة إن قلنا إن الناس أحرار.

إن الحرية إن انحرفت عن الحق أضرت بصاحبها وأضرت بالآخرين، وصارت ضربا من العبث والفساد، وهل الحق في بلدنا وبلاد المسلمين سوى ما أنزله الله -سبحانه- وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما الحرية إلا تبع لهذا الحق، تسير في ركابه  ولا تحيد عنه، وإلا صارت شيئا آخر.

فلماذا نقدمها على الدين؟ ونبيح باسمها ما يناقضه ويعارضه؟

ومن كتب هذه الكتب فإن الفساد عنده مقصود، والجريمة متعمدة مع سبق الإصرار، وما الحرية هنا إلا خيط الحرير الذي تتم به جريمة الشنق والخنق لمبادئ الدين وقيمه التي على أساسها تربت أجيال وأجيال، ولكن المفسدين يودون أن تنبت صلة الجيل الحاضر بدينه وقيمه، بحيث لا يعرف اتجاها ولا ينتمي إلى هوية واضحة، يكافح من أجلها في الحياة، ويذود بها ضد الطغاة، ويحافظ بها على بلده ومقدراته وخيراته كما يحافظ الأباة.

المحاكمة

ونحن -هنا- أمام قضية ذات شقين: كتاب يكتبون ما يخالف عقيدة الأمة، ويهزؤون بقيمها، وينشرون الرذيلة بكتاباتهم حولها مؤيدين واصفين.

وهؤلاء ينبغي أن تمنع كتبهم ولا يسمح لها بدخول بلدنا، فلا تعرض في معارض الكتب ولا تعرض في مكتباتنا خاصة كانت أو عامة، تعبيرا عن رفضها، وإعلانا عن اعراضنا عن أصحابها، عما يقولون ويكتبون، لأنهم يسبون الله ورسوله ويؤذون مشاعر المسلمين.

وحب الله ورسوله ينبغي أن يقدم في نفس المؤمن على حبه لنفسه ووالديه والأقربين والناس أجمعين، والطعن في ذات الله وشخص رسوله والمبادئ الإسلامية موجه إلى كل مسلم، وأضعف الإيمان تجاه هؤلاء هو رفض كتاباتهم وعدم السماح لكتبهم بدخول بلدنا في أي مناسبة، أو تحت أي مسمى، هذا هو الشق الأول من هذه القضية، وشقها الثاني هؤلاء الذين سمحوا لهذه الكتب بالعرض بعد منعها، هل كانوا على علم بما حوته هذه الكتب من بذاءات؟ هل تعمدوا الإساءة للأمة حين سمحوا باذاعة هذه المنكرات؟ هل هم يعلمون ما حملت الكتب من خزايا؟ إن كانوا عامدين وعالمين وقاصدين فإنهم يكونون مفسدين، لأنهم أباحوا عرض هذه الكتب التي تتعرض للذات الإلهية بالسب والانتقاص، فناقضوا بذلك دستور الدولة الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، وناقضوا القوانين المستمدة من هذا الدستور، التي تجرم وتحرم الإساءة إلى الآخرين.

وقد أساءوا للشعب الكويتي كله، الذي يحافظ على عقيدته، والذي يرفض أن يشاع فيه الخنا والفجور والخنوثة، وأشاعوا ذلك وأذاعوه على نحو مخز، حتى إن كاتبة أو قل غانية تعترف في كتاب لها بأنها زنت وتصف هذا الفجور الآثم في اعتداد، وكأنما صنعت بطولة تفتخر بها وتطلب من الآخرين أن يقلدوها بصنع مثل هذه البطولات الموبقات، مع أن جريمة الزنا من أكبر الآثام في الشرائع السماوية والقوانين الأرضية فكيف نقبل من أحد أن يفعل ذلك؟ وكيف نسمح له أن يذيع بيننا إفكه وإثمه، وأن تدخل بيوتنا موبقاته وشروره؟ هل سيصل الأمر بنا تحت دعوى (الحرية) إلى دخول مجاميع منا فيما اعتنقه القرامطة قديما، وفيما اعتنقه عبدة الشيطان حديثا؟ هل سيصل الأمر بنا إلى شيء من الفوضى الجنسية تحت دعوى الحرية؟ أي خزي هذا الذي يصيب الناس حين يجلبه لهم الإعلام ويذيعه عليهم بدعوى (الحرية)؟

والذين ساعدوا في نشر هذا المنكر وإذاعته هم شركاء في الجريمة ينبغي أن تمتد إليهم يد القضاء ليصدر القضاء حكمه بالتجريم أو البراءة.

إن إباحة الكتب المحظورة بعد منعها، أدي إلى تهافت الناس عليها كتهافت الفراش على النار، لا لقيمة فيها، ولكن لأنها تثير اشمئزاز الناس ونفورهم حين تتعرض لمعتقداتهم، وتثير استغرابهم وفضولهم لأنها تدغدغ غرائزهم وتستدعي شهواتهم، وكلا الأمرين قبيح مرذول، ولعل الذين فعلوا ذلك يدركون أن ضعف الإيمان يرتبط بوهن الأخلاق واستعداء الشهوات فجمعوا بين السوأتين وأباحوا النوعين.

وتأتي ثالثة الأثافي في التجرؤ على أصولنا حين أباحوا الكتب التي تهاجم الدول العربية الصديقة، ولها ما لها من ديون في أعناقنا، ينبغي أن نقابلها بالشكر والعرفان والاعتراف بالجميل، فقد قدر الله في محنة الغزو أن تكون الدول الصديقة واضعة لأرضها وجيشها ومقدراتها كلها قلبا وقالبا معنا تدافع شراسة الباغين، وتجبر كسر الذين على أرضها قائمين، وتحسن رفدهم، وتفتح صدرها لهم فلها علينا حق الشكر لا حق النكير، وإلا كنا في ذلك مثل الدول التي نعيب موقفها منا، حين عرفناهم في الرخاء فنسونا في الضراء.

إن الطعن في الدول العربية الصديقة -بحجة حرية الرأي- وفتح الباب واسعا لهذا الطعن أمام جماهير الناس جريمة لا تقل  في خطرها عن المساس بالذات الأميرية، فلابد أن يقدم أصحاب هذا التصرف إلى المحاكمة أمام القضاء، إن كانوا عامدين لما فعلوه، عارفين بما فيه، وإلا فإن الأمور تكون قد اختلت والموازين تكون قد اعتلت.

اللجنة

وإني أتساءل: هل التعرض للذات الإلهية بما لا يليق محتاج إلى لجنة تحكم فيه؟ هل الاستهزاء باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجزاء محتاج إلى لجنة؟ هل الكاتبة التي اعترفت بالزنا في كتابتها ودعت إليه محتاجة إلى لجنة؟ هل التعدي على دولة ناصرتنا واعتبرت قضية غزو الكويت قضيتها ودفعت من أجل ذلك مقدراتها وأبناءها محتاج إلى لجنة؟

إن الطفل الغرير يعلم أن التعدي على الذات الإلهية كفر صريح، وأن إشاعة الفاحشة من الكبائر التي تستحق عقاب الله، لأن الله توعد فاعليها في الدنيا والآخرة، “لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة

ويعلم أن الدول الصديقة ناصرتنا وأيدتنا وأن من العقوق الذي يأباه الله ويأباه الصادقون أن يقابل الجود بالجحود، والعطف والإحسان بالتجني والنكران.

وإذا كان الأمر أوضح من الشمس في رائعة النهار فعلام -إذن- تعليق الأمر على اللجنة تجيز كتابا أو تمنعه.

لجنة الفتوى وموقف العلماء

ثم ماذا ينتظر رجال الفتوى وحائط الدين يهدم؟ هل ينتظرون ورقة مكتوبة تسأل عن حكم الشرع فيمن يعرض كتبا مسفة في حق تعاليم الدين، ويتعدى إسفافها حدود المخلوقين ليصل إلى الخالق سبحانه، فما حكم من يفعل ذلك؟

بل ماذا ينتظر كل علماء الدين في كل موقع وفي كل موقف، ومتى يستنفرون ليدفعوا بأقلامهم وألسنتهم عن حوزة الدين، وينصروا الله رب العالمين؟ “ولو يشاء لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض” “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكمإن مثل هذه الجرائم بلاء يصيب مجتمعنا، وعلماء الدين هم في طليعة المدافعين عن الأمة، حتى وإن أصابهم البلاء، ووقع عليهم بعض الجزاء (العقوبة) فقد أعلن خبيب بن عدي أنه يرضى أن يقتل مصلوبا ولا يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم  شوكة تصيبه في بيته.

هذا وغيره من الصحابة الأكرمين الذين دافعوا عن دين الله بكل ما استطاعوا هم قدوتنا فأين نحن من هذه القدوة في أمر هذه الكتب التي طعنت في المجتمع طعنتها بيد بعضنا، ثم تركتنا نجفف آثار الجراح، ومضى أصحابها لا يلوون على شيء وكأنهم ما ارتكبوا إدا، أو هدموا أمام الانحلال سدا؟ ولعل لجنة الفتوى (الرسمية) مثقلة بالأعباء، وليس لديها وقت لبحث القضايا اليومية المستجدة مما يستدعي ضرورة إنشاء لجنة شرعية شعبية، يكون لها رأي في المسائل الكبرى التي تتعرض لها الجماهير، وهي أمور مستجدة لا تتوقف، ومن هذه المسائل مسألة الكتب التي تستدعي أسئلة منها:

1- ما حكم من كتب طعنا في الدين؟

2- ما حكم من نشر هذا الطعن أو ساعد على نشره؟

3- هل يعذر الكاتب أو الناشر بالجهل؟

4- هل لو اعترف كاتب بخطئه أو جهله يباح نشر كتبه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة، التي لابد لأهل الفقه والفتوى ابداء رأيهم فيها حتى لا تحدث بلبلة بين العامة في صفوف المجتمع، فأهل الفتوى هم صمام الأمان للأمة في كل زمان ومكان.

واجب الدعاة

إن واجب الدعاة أن يبينوا للناس دين الله بوضوح لا لبس فيه وجلاء لا غبش فيه، وأن تكون الصلابة في الحق سبيلهم، والحكمة والموعظة طريقهم في البلاغ، ولا تنافى بين إظهار المبادئ وإعلانها في قوة، وبين اتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة طريقا لإيصال هذا الحق، والمهم ألا يتهاون الدعاة في شأن إظهار الحق، في مسألة من المسائل، دون نظر لأن هذا الحق قد يغضب فلانا أو يرضي فلانا، ولكن ينبغي أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حين أرسل إليها يطلب منها أن توصيه، فكتبت إليه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناسورضا الله في اتباع الحق وحده، يرضى به من يرضى، ويسخط به من يسخط، وإن على الدعاة ألا يستخدموا العبارات المبهمة في القضايا الحاسمة، وأن يتركوا الغمغمة في بيان الأحكام الشرعية، على الدعاة أن يراقبوا الله في أقوالهم وأعمالهم فلا يتركوا أمرا إلا بينوا رأي الدين فيه بوضوح وجلاء مع استخدام أدب الحديث، والبعد كل البعد عن الغلظة في القول عند بيان الأحكام الشرعية.

إن الله سيسأل الدعاة على علمهم ماذا عملوا فيه، فلا يغيب عن الأذهان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كاتمي العلم الذين يلجمون بلجام من نار يوم القيامة، ولا يغيب عن البال قول الله: “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون“.

أسال الله أن يهدينا -جميعا- سواء السبيل.