بقلم : د.جاسم محمد مهلهل الياسين

الكوارث البيئية من زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير، وجفاف وتصحر وغيرها مما تعج به الحياة من حولنا، قوارع ونذر للبشر الذين اتخذوا إلههم هواهم، بعد أن أضل سلطان العلم التطبيقي عقولهم، وملأ بالسطوة والكبرياء قلوبهم، فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا – كما قال إخوان لهم من قبل :” من أشد منا قوة “؟ فأراهم الله ضعفهم وأظهر عجزهم، أمام بعض آياته في كونه، فوقفوا مبهوتين، ولم يحاولوا أن يردوا الأمر لله، بل ردوه إلى الأسباب الظاهرة، وغفلوا عن مالك الأسباب، ولقد أخبر الله في كتابه أن القوارع ستظل تلاحق الكافرين إلى يوم القيامة ” ولا يزال الذين كفروا تصيبيهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله ” وبين الله أن إصابتهم ناتجة عن عمل أيديهم ” بما صنعوا ” فالكوارث الطبيعية التي تنزل بالمؤمنين أو الكافرين لها أسبابها المادية التي قد يفسرها العلم الحديث، ولكنها قبل هذا من صنع البشر وعنادهم وكفرهم وجحودهم، وإغراقهم في المعاصي والآثام ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) وهذه الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم يغفل عنها كثير من البشر، ويظلون في غيهم يعمهون، حتى تحل بهم الكارثة فتحصد منهم من تحصد، وتترك منهم من تترك، لعل الناس يرتدعون ويرجعون إلى ربهم، فإذا لم يفعلوا حقت عليهــم  كلمة الله :” وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ” فإن لم تفدها هذه البأساء كان الانتقام الأشد “فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ” وهذه القوارع والكوارث أشبه باللدغات الخفيفة التي تصيب بعض الناس لينتبهوا قبل أن يجرفهم الطوفان أو تحرقهم النيران، فإن فعلوا فقد أدركوا أنفسهم، وإن لم يفعلوا جاءتهم الدواهي التي تزداد مع الأيام حتى تصل إلى الذروة قرب يوم القيامة حين تزلزل الأرض زلزالها وتخرج أثقالها.

ولئن كانت الكوارث الطبيعية قوارع للكافرين، فإنها قد تكون ابتلاء واختباراً للمؤمنين، ليعلم الله الذين آمنوا ويمحصهم ويتخذ منهم شهداء، ويثيبهم على ما نزل بهم وحل بساحتهم، فأزهق بعض نفوسهم، وأهلك بعض أموالهم، وجعلهم يضرعون إلى الله ويعودون إليه آيبين، ويدعونه مستنصرين – إن كانوا مؤمنين حقاً وصدقاً –.

 وقد لا يستسيغ كثير من أرباب العلم المادي المعاصر والمفتونين بتطبيقاته هذا الذي نقول، لأنهم يردون كل شئ لأسبابه الظاهرة، التي لا ننكرها، لأنها من صنع الله (سنة الله في الذين خلوا من قبل) ولله في خلقه سنن لا تتخلف ولا تتبدل، ولكنها أولاً وأخيراً لا تخرج عن أمر الله ولا عن قدره، والله سبحانه يقول : “إنا كل شئ خلقناه بقــدر”، ويقــول : “وخلق كل شئ فقدره تقديرا”، ويقــول : ” الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل “، فالأسباب والمسببات من صنع الله، وهو – وحده – الذي يملك زمام الكون وما فيه (  ألا له الخلق و الأمر ) ولو أن الناس عادوا إلى ربهم وأسلموا له أنفسهم لأزال عنهم الآلام، وأذهب عنهم الأحزان وآمنهم من خوف وأطعمهم من جوع، ورزقهم من حيث لم يحتسبوا ( ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياناً وهم نائمون، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ).