بقلم : د.جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

مداد دافق ودماء تتوقف:

لم تنل أي قضية عربية في القرن العشرين ما نالته قضية فلسطين من مداد وأوراق ودماء وقرارات ووعود وتنصلات وإخلاف، وما تزال هذه القضية شاغل الناس بعد أن كثر فيها صب المداد ونضب بل توقف تقديم الدماء، إن مداد الكاتبين والمعلقين والمحللين للاتفاقات السرية والعلنية، والعهود والمواثيق التي يقدمها المسئولون في الشرق الأوسط بضمانة أمريكية روسية أو أمريكية أوروبية، إن هذا المداد ساعد في تسكين عامة الناس، الذين فرحوا بسراب السلام بعد أن منَّتهم حكوماتهم بالمنّ والسلوى، والعسل والحلوى، ثم بعد سنوات لم يجدوا في حلوقهم إلا مذاق الحنظل، ومرارة الصبار، لأنهم أدركوا أن واقع الحال ينبئ عن وهم كبير أسفرت عنه مفاوضات السلام، وينبئ كذلك عن خداع عظيم من جانب الصهاينة الذين يَعِدون ثم يخلفون، ويعاهدون ثم يغدرون، ويوثقون عقودهم ثم ينقضون.

عاش عامة الناس في وهم كبير أملا في عهد جديد تجف فيه الدماء، وتسيل فيه

أصبح الصوت الرافض للتنازلات الفلسطينية المتتالية مرفوض الآن- ومحارب في الديار العربية

الخيرات في البلاد، فما وجدوا بعد أن أمن الإسرائيليون على دمائهم وأنفسهم إلا الشر والبلاء، وملاحقة الشرفاء، واعتداء اليهود واجترائهم على كل من يقف في طريقهم فهدموا البيوت وتوسعوا في المستوطنات، وقتلوا الفلسطينيين، وأقاموا الأنفاق تحت المسجد الأقصى في محاولة لهدمه، وتهيئة لإقامة هيكلهم مكانه –ولو بعد حين-.

ولم تكن تصرفات إسرائيل تخفى على نفر من الذين نكبوا في فلسطين، لأن الطبيعة اليهودية التي تتلون تلون الحرباء، لم تعد تخفى على الفاهمين حتى لو غطى هؤلاء اليهود جلودهم بأنواع من الثياب وألوان من الطلاء. فأبان الفاهمون زيف دعوى السلام وحركوا جماهير الفلسطينيين في غزة والضفة فيما عرف بالانتفاضة، وظهرت منظمات جهادية تعمل على ترويع الصهيونيين وتعكر صفوهم من حين إلى حين، فما كان من إسرائيل إلا أن لانت قناتها، وبدأت في السر محاثاتها التي تفتقت عن إعلان مدريد سنة 1991 ثم أوسلو سنة 1993 وظهرت السلطة الفلسطينية، وكأنها حامية حمى فلسطين من دون المسلمين، والمتصرف الوحيد في كل ما يدور حولها مع إسرائيل التي انتهزت بدورها الفرصة السانحة، كي تنفرد بهذه السلطة وسط ضغوط عالمية لتأخذ منها صكا ممهورا بإنهاء هذه القضية مقابل أمرين:

ثمن بخس:

  • إرجاع غزة بعد أن أذاق أهلها إسرائيل الويلات نتيجة ما قاموا به من إضرابات واحتجاجات، وانتفاضة عارمة، وإنزال ضربات فدائية موجعة بإسرائيل وإرجاع جزء من الضفة الغربية لا يزيد حتى الآن عن 40% تخضع أجزاء قليلة منها للسلطة إداريا وسياسيا، وأجزاء تخضع إداريا فقط للسلطة، ومساحة الأرض التي ستحصل عليها السلطة في النهاية إذا قيست بكامل الأرض الفلسطينية التي اغتصبها العدو لا تساوي شيئا يذكر، ونظرة سريعة على الأرقام تبين ما نقول: ففي سنة 1916م كانت أملاك اليهود (241.000) دونم من مساحة فلسطين التي تبلغ (27.027.031) دونم كانت الدولة تملك منها سنة 1918 (12.000.000) دونم ويملك العرب (13.673.032) دونم، ويملك اليهود (650) دونم، أي أن اليهود كانوا يملكون سنة 1918م 2.5%، فهل ما ستحصل عليه السلطة بعد التنازلات الكثيرة يصل إلى 2.5% من مجموع أراضي فلسطين المغتصبة؟!! إن الإجابة الواقعية خير من كل كلام، حيث إن مساحة فلسطين –كما تم تسجيلها في عهد الانتداب البريطاني- هي 281.200 كم2، وقد أعطت هيئة الأمم المتحدة إسرائيل 54% من هذه المساحة وأعطت الفلسطينيين 46% عند إقرار التقسيم سنة 1947م، وهو ما رفضه الفلسطينيون، لأن الأرض التي كانت تحت أيديهم حين ذاك تزيد عن هذه المساحة كثيرا. وفي سنة 67 استولت إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني، ووضعت يدها على الضفة وغزة ومساحتهما 5700 كم2، وحديث السلام يدور حولهما فقط دون غيرهما من الأرض، فإن الأخذ والرد والاتفاقات والوساطات الدولية والتلكؤ الإسرائيلي والتنازل الفلسطيني يدور كله حول 18% من مساحة فلسطين المغتصبة.

ورغم الطنطنة والدعاية والصور “والفلاشات” للتوقيع على الاتفاقات بحضور عدد

أصبح الصوت الرافض للتنازلات الفلسطينية المتتالية مرفوض الآن- ومحارب في الديار العربية

من الزعامات فإن كل ما حصلت عليه السلطة من الأرض الفلسطينية وكل ما ستحصل عليه لا يساوي أكثر من 0.7% من مجموع الأراضي الفلسطينية، بينما تحصل إسرائيل على 99.3% من هذه الأرض (انظر مقال الأستاذ فهمي هويدي في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 19/5/1998)

ويستمر مسلسل التمدد الإسرائيلي في الاستمرار، فتعلو كل يوم في أراضي الضفة مستوطنات جديدة تعلن تحديا جديدا للعالم الإسلامي، وتحتمي بالتصريحات الرسمية لباراك الذي أعلن، لا. لإيقاف المستوطنات، فما المقابل في جانب السلطة؟

حراسة السلطة للأمن الإسرائيلي:

  • قيام أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية باختراق الجماعات المناهضة لاتفاق أوسلو وتوجيه ضربات قاصمة إليها بغية تصفية وجودها التنظيمي والسياسي والعسكري حسبما ورد في مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في 17 ديسمبر سنة 1997م بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية بإشراف وكالة الاستخبارات المركزية، على حد قول الكاتبة “تانيارا ينهارت” المنشور في نشرة “ذي آذر فرونت” في عددها الصادر في 22 أبريل سنة 1998م.

وقد تمت تصفية عدد من الناشطينن في حماس منهم: محي الدين الشريف ويحيى عياش وعادل عوض الله وعماد عوض لله ود. فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي.

وتمَّ تحديد إقامة الشيخ / أحمد ياسين في بيته بعد تفتيشه ومنعه من الخروج حتى لصلاة الجمعة بعد قطع الاتصال التليفوني عنه، واعتقل من أعضاء حركة المقاومة الإسلامية حماس ما يقارب 1000 شخص، وأمر اللواء غازي الجبالي قائد الشرطة في غزة في 2/11/1998 بإطلاق النار على أي رجل ناشط من شباب المقاومة يقترب كثيرا من (المواقع الإسرائيلية) وبهذا تبنى رجال السلطة مشروع الأمن الإسرائيلي وليس الفلسطيني، وخاصة بعد قيام المخابرات المركزية الأمريكية بتدريب ضباط الأمن الفلسطينيين في قاعدة سرية بولاية نورث كارولينا (على حد قول صحيفة نيويورك تايمز في 23/10/98) وقالت الصحيفة المذكورة: إن هدف التدريب هو رفع الكفاءة المهنية لأولئك الضباط وتعزيز ثقة إسرائيل بهم.

وقد تمثلت هذه الثقة الإسرائيلية في إلغاء للميثاق الوطني الفلسطيني، وجمع الأسلحة

تحولت (السلطة) إلى شرطة لحماية الإسرائيليين وضرب كل جماعة فدائية وشل حركتها وتقييد خطواتها.

من الفلسطينيين، واعتقال المطلوبين لإسرائيل، وتقليص قوات الشرطة الفلسطينية، ووضع خطة مفصلة لمكافحة (الإرهاب) الذي لا يعني غير الجماعات التي تقوم بأعمال فدائية داخل إسرائيل، والعناصر المعارضة للاتفاقات الاستسلامية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية، ومعنى ذلك إسكات كل صوت معارض لأي اتفاق يتم وأي تنازل يحدث مهما كانت خسائره جسيمة، وفي مقابل ذلك فإن للمستوطنين الإسرائيليين الحركة الكاملة في التسلح وقتل الفلسطينيين، وهدم بيوتهم، وللأحزاب الإسرائيلية كذلك حرية مطلقة في ممارسة كافة أشكال النقد والمعارضة للاتفاقات فضلا عن حريتها في المطالبة بطرد الفلسطينيين.

في ضوء الاتفاقات المتتالية، التي يعدل لاحقها منها، وينسخ حاضرها ماضيها، يتم تكريس الاستيطان في الضفة الغربية بحيث يصبح كتلة جغرافية متواصلة بعد أن كان نقاطا معزولة في الفضاء العربي، وتتحول التجمعات السكانية العربية إلى نقاط منعزلة لا رابطة بينها.

ضرب الحركات الفدائية:

وهذه الاتفاقات الأمنية التي تربط حسن سلوك السلطة الفلسطينية لدى واشنطن وتل أبيب بمدى المجهود الذي تبذله على صعيد التعاون والتنسيق الأمني، والوقوف بقوة في وجه أي عمل فدائي استشهادي تقوم به حماس أو حركة الجهاد الإسلامي –لم تكن تتم إلا بمباركة ومساعدة من بعض الأنظمة العربية، ولعل هذا الرضا بالقضاء على كل صوت أو عمل يعارض الاتفاقات الجارية كان الدافع الأول وراء ما حدث لقادة حماس الذين صدر الأمر باعتقالهم، وإغلاق مكتب حماس في الأردن بحجة مخالفته للقوانين الأردنية، وأنها تستغل لنشاطات وأعمال تنظيمية غير أردنية وغير مشروعة!! نعم لقد أصبحت الأعمال الجهادية ضد العدو المغتصب غير مشروعة، وأصبح الصوت الرافض للتنازلات الفلسطينية المتوالية، والمعبر عن مشاعر ملايين المسلمين في الأرض غير مشروع، ومن ثمَّ فإن نصيبه التضييق الحركي والتشويه الإعلامي، وملاحقة أفراده بالاعتقال، ووضع قادته تحت القبضة القوية حتى ينشغلوا بأنفسهم عن غيرهم، ويستريح منهم عدوهم الإسرائيلي، لأن إخوانهم كفوا أيديهم وشلّوا حركتهم، وأودعوهم بطون السجون مع اللصوص والمجرمين والقتلة وتجار المخدرات والمشبوهين، مع أن مكانهم ينبغي أن يكون في العلياء، لأنهم هم الذين يرفضون الخنوع والخضوع للضغوط الأمريكية الصهيونية، التي لا تريد من أحد أن يعكر صفو الاتفاقات أو الاعتراض على التنازلات.

لقد شُددت القبضة على كل منتمٍ لحماس، خاصة بعد سنة 1996م، التي تبلورت فيها بشكل واضح التخاذلات من جانب السلطة الفلسطينية، وظهرت محاولات فدائية وبدا أن هناك استعدادا للفداء والاستشهاد وهو ما لا تريده إسرائيل، ومن ثمَّ عُقدت مؤتمرات أمنية حضر بعضها كلينتون تحت زعم محاربة الإرهاب، ولم يكن المعنىّ بها أولا وأخيرا إلا مقاومة كل تحرك من أي جانب إسلامي ضد ما تقوم به إسرائيل، التي قامت حكومتها علنا بارتكاب مذبحة قانا، وقام أفرادها بمذابح شتى منها مذبحة الحرم الإبراهيمي، وقامت منظماتها اليهودية بأعمال إرهابية تنفذها ضد الأراضي والأهالي والمنشئات والأماكن المقدسة دون أن تقول أي جهة إن هذا إرهاب.

تحذير ونذير:

والذي حدث ويحدث لحماس هو رسالة إنذار لكل جهة أو مؤسسة أو جماعة يخطر على بالها أن تعارض أي تنازل –وإن كبر حجمه- في المرحلة القادمة، مرحلة مفاوضات الحل النهائي التي من المتوقع أن تبدأ قريبا لتحسم قضايا (القدس، والدولة، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، والمياه) وهي قضايا لا بد فيها من تنازلات كثيرة من جانب السلطة بعد ظهور التشدد الإسرائيلي في لاءات باراك. التي تترجم عن سياسة الحكومة الإسرائيلية، وهي لا للعودة إلى حدود سنة 1967، ولا لتقسيم مدينة القدس، لأنها ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا لإيقاف المستوطنات، ولا لعودة اللاجئين، وهي كلها قضايا مهمة تتعلق بمصير الفلسطينيين أولا وبالوضع العام في دول المنطقة ثانيا، ولقد بدأت مرحلة التفاوض على الحل النهائي بداية خاطئة حيث قبلت السلطة أن تتفاوض على هذه القضايا المهمة المعلقة، قبل أن توقف إسرائيل الاستيطان، وقبل إكمال المرحلة الانتقالية، وهذا بداية التنازلات إزاء التشدد الإسرائيلي الذي لم يقف عند حد تصريحات باراك، بل ظهر بوضوح على الأرض المحتلة حيث أقام باراك من المستوطنات في ثلاثة أشهر ما فاق به سابقه نتنياهو في كل ما أقامه من مستوطنات طيلة مدة حكمه، وصادر ألف هكتار من أراضي قرية إذنا جنوب الخليل لتحويلها إلى حقل تدريب.

تنازلات السلطة آتية لا شك فيها خاصة فيما يتصل بالقدس وعودة اللاجئين، مما

تحولت (السلطة) إلى شرطة لحماية الإسرائيليين وضرب كل جماعة فدائية وشل حركتها وتقييد خطواتها.

يستفز مشاعر الشعوب الإسلامية قاطبة، وقد يثير موجة من الاستياء في الداخل والخارج، لذا لابد من إسكات جميع الأصوات المعارضة لعملية التسوية ولجم أي تحرك ضدها.

وإغلاق مكاتب حماس واعتقال العاملين فيها والقبض على قادتها بعد رجوعهم من الخارج خطوة ممهدة أو مصاحبة لتهيئة المناخ لمحادثات الوضع النهائي دون اعتراض من أحد، ويؤكد ذلك أن هذه الإجراءات تمت قبل ساعات من وصول أولبرايت إلى المنطقة للمشاركة في التوقيع النهائي على اتفاق (واي 2) الذي تم التوقيع عليه في شرم الشيخ المصرية بحضور عدد من القادة العرب.

خطوة في الاتجاه المعاكس:

والمفاوضون العرب يجانبهم الصواب حين يسكتون كل رأي معارض، أو عمل من أعمال المقاومة، فلا يصبح في يدهم أي عنصر من عناصر الضغط أو القوة التي تجبر العدو على التسليم ببعض المطالب الضرورية أو على الأقل على عدم التشدد فيما يطلبه من تنازلات من جانب السلطة.

والدليل الحي المشاهد هو إصرار إسرائيل وإعلان المسئولين فيها عن إنسحابها من لبنان في يوليو القادم من طرف واحد، وما كان لإسرائيل أن تفعل ذلك إلا تحت ضغط المقاومة في الجنوب حيث تخسر إسرائيل بعض الأرواح، وهي وإن كانت قليلة إلا أن استمرارها يشكل نزيفا مستمرا، وألما دائما للحكومة الإسرائيلية مما لم تعد تحتمله، ورغم ما تقوم به من قصف شبه دائم للبنان فإن الحكومة اللبنانية تعلن أن المقاومة تمثل جزءا من الشعب اللبناني لا يمكن تحجيمه أو ضربه أو إسكاته. ولو أن الحركات الفدائية الاستشهادية التي كانت تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي استمرت في دورها الجهادي، ولم تجد ضغوطا قوية –وصلت إلى حد تصفية بعض عناصرها- من السلطة الفلسطينية ومن بعض الحكومات العربية لاستطاعت السلطة الفلسطينية أن تحقق –حتى عن طريق المفاوضات- لنفسها ولأبناء فلسطين كثيرا، وعلى أقل تقدير لكانت استطاعت أن تحقق ما اتفقت عليه في أوسلو. ومنه على سبيل التذكرة. الحصول على 90% من أراضي الضفة الغربية، فهل تحقق ذلك؟ إن كل ما تمّ الحصول عليه من الأرض سواء كانت تحت الإشراف الكامل من السلطة أو الإشراف المشترك بينها وبين إسرائيل لم يزد بل يقل عن 40% من مساحة أرض الضفة وغزة.

إن العدو لا يعرف غير القوة العسكرية، وقد كانت قوة الحركات الفدائية سندا ودعما لموقف المفاوض الفلسطيني الذي يلوح بأن هذا هو البديل لوقف المفاوضات ومواجهة التعنت الإسرائيلي فإذا ما قضى على هذه الحركات الفدائية فإن المفاوض الفلسطيني جرد نفسه من كل بديل. وما عليه إلا أن يقبل –صاغرا- ما تعرضه عليه إسرائيل وإلا ..

ويبدو أننا في العالم العربي لا نتعلم من دروس التاريخ، لقد كانت الحرب في فيتنام

كل ما ستحصل عليه (السلطة) من كامل الأراضي الفلسطينية بعد التنازلات والخدمات الأمنية للإسرائيليين لن يتعدى 0.7% من الأرض بينما ستحصل إسرائيل على 99.3%.

مشتعلة والمفاوضات دائرة، لأن سلاح الحرب يجعل المفاوضات حامية ومسرعة ولكننا دأبنا على تحجيم كل عناصر القوة والبطش والتنكيل بها، منذ أن أُخذ الإخوان المسلمون الذي أبلوا أعظم البلاء في حرب فلسطين –بشهادة المحايدين من الخبراء العسكريين- أخذوا من الميدان إلى المعتقل. وعلى طريقهم هذا عوملت كل حركة ناشطة صادقة في دفاعها عن الدين والوطن، حتى وصل الأمر إلى حماس على النحو الذي نراه ونعرفه اليوم.

نموذج لمعاملة الآخرين:

هذا ما نفعله بالمجاهدين عندنا أما في الجانب المقابل فإن أبرز عناصر الإجرام التي قامت بمذابح ضد الفلسطينيين تولت رئاسة الوزارة الإسرائيلية، ومن لم يصل منهم إلا هذا المنصب ظل له الاحترام والتقدير، وعومل أحسن معاملة، وظل آمنا في مكانه لا تمتد له يد بإيذاء رغم انتقاده لحكومته أحيانا، وتوليه زعامة المعارضة أحيانا أخرى، فما هو ذا أربيل شارون الصهيوني المتعصب الذي يسير على درب زعماء المنظمات الإرهابية اليهودية التي قامت بأبشع الجرائم في فلسطين لم يتوقف يوما عن سفك دماء الفلسطينيين والعرب. لقد شارك (مع العصابات الصهيونية التي كسبت اغتصاب الأرض في عام 48م وشكل وحدة الكوماندوز 101 في سنة 53. التي كانت في الحقيقة وحدة للقتل. ومن جرائمها في ذلك الوقت مذبحة كفر قاسم التي قتل فيها 48 فلاحا فلسطينيا. وبعد أن أثبت الرجل جدارته كقاتل أصبح مؤهلا لكي يتولى قيادة لواء المظلات في حرب 56 وفي ذروة حرب الاستنزاف في سنة 70 عين قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، ولأن غزة كانت آنذاك تحت قيادته، فإنه قام بدور في تصفية المقاومة هناك، بعدما شكل وحدة للقتل عرفت باسم “ريمون” ونفذ هناك مشروعه لاقتلاع اللاجئين، وإعادة إسكانهم نقل مجموعات منهم إلى رفح، وكان أول من أقام شوارع “أوتوسترادات” داخل المخيمات، الأمر الذي استدعى نقل كثيرين من أماكن سكناهم، وأدى إلى إعادة هيكلة معالم المخيمات. وهي الخلفية التي أكسبته خبرة في تدمير البنية التحتية الفلسطينية .. استفاد منها فيما بعد. وبعد أن اكتسب في غزة بجدارة صفته كقاتل، وجدناه في حرب 73 وفي عملية الثغرة، يكتسب صفة المغامر. وحين أصبح وزيرا للزراعة في حكومة مناحيم بيجين عام 77، ألقى بكل ثقله في عملية الاستيطان لكي يبلغ بالمغامرة أقصى مدى لها، ويوظفها في خدمة التمدد الإسرائيلي أفقيا ورأسيا.

في اجتياح لبنان عام 82 كان شارون المغامر والقاتل هناك، فقد قاد أول عملية إسرائيلية لاحتلال عاصمة عربية، ونفذ هناك أكبر مذبحة إسرائيلية خارج فلسطين “في صبرا وشاتيلا” والجريمة الأخيرة أدانته فيها لجنة “كاهان” الأمر الذي اضطره إلى الاستقالة من منصب وزير الدفاع.

ابتداء من عام 90 عاد شارون إلى الواجهة كمهندس لحركة الاستيطان واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم مرة باعتباره

السلام مع إسرائيل لن يجلب للعرب المنّ والسلوى، كما قالوا- بل سيعود على العرب بأوخم العواقب سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا.

وزيرا للبناء والإسكان ومرة بحسبانه وزيرا للبينة التحتية. ولم يتخل عن دور القاتل في أي منها، حتى أعلن صراحة بعد فشل محاولة اغتيال خالد مشغل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. إن إسرائيل لن تكف عن محاولة قتله، وهو الذي لا يزال يرفض مصافحة الرئيس ياسر عرفات بحجة أنه إرهابي وقاتل!) (مقال فهمي هويدي: رسميا إعلان الحرب على المقاومة. المنشور في الوطن بتاريخ 7/11/1998)

شارون هذا هو الآن زعيم الليكود، الحزب الرئيسي المعارض لحزب العمل الذي يتولى رئيسه باراك رئاسة الحكومة.

فأين من هؤلاء السفاحين القتلة كل القادة الشرفاء الذين حاربوا العدو بصدق وإخلاص؟

إن قادة حماس بما يقومون به من أعمال ضد العدو الإسرائيلي هم في ضمير كل مسلم حريص على عودة القدس وعودة المشردين الفلسطينيين إلى ديارهم، وعودة أرض فلسطين إلى أهلها المسلمين، وإن الذي يلقونه لا يليق بهم ولا ينبغي أن يمارس معهم، بل إنه مخالف لأبسط المبادئ الإنسانية ولذا فإن التخلي من جانب الحكومة الأردنية عما تفعله معهم سيجعل لها احتراما كبيرا في قلب كل مسلم، وسيدرك المسلمون أن الحكومة لا تخضع لأي ضغوط خارجية وأنها تعمل بصدق على السعي خطوة نحو تصحيح الأوضاع الفلسطينية المتدهورة.