بقلم : د.جاسم محمد مهلهل الياسين
قال لي صاحبي: ما الاستنساخ ؟!
قلت : هو يا رفيقي عند الغرب تكنولوجيا وحضارة، وعندنا نحن تأخر وخسارة؟!
صاحبي : عجباً لك …؟ والويل لنا كيف ذلك؟!
قلت : قد طوروا تقنياتهم فنسخوا الخراف ليأكلوها… والقرود ليلاعبوها…. وعما قريب سينسخوا صداما ليذيقونا آلاماً وآثاماً…. وسينسخون من حكامنا حكاماً… ومن عظمائنا أقزاماً… ومن بناتنا دمى للاعبين… ومن شيباننا مسخاً متصابين…. ومن قيمنا ضحكة للضاحكين… ومن ديننا مظهراً بلا يقين… ومن الجهاد وقفاً على الماضين…
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ عندنا؟
قلت: إن كان الغرب برع في الاستنساخ فقد برعنا نحن فيه… بل زدنا عليه… وضممنا مثله إليه؟!
قال صاحبي : كيف ذلك يابن ياسين… وبيننا وبينهم مئات السنين؟
قلت: نحن نعرف من قديم الاستنساخ… وعرفنا حديثاً الاستسلاخ….
أما الاستنساخ، فمنذ أن تخلفنا ومع اللهو تحالفنا وجافينا ديننا ولأمره خالفنا.. ونحن نستنسخ العجائب العجيبة، والغرائب الغريبة في كل الفنون؟
قال صاحبي : وما تلك العجائب وما هذه الغرائب التي استنسخناها… وبزعمك ألفناها وطورناها..؟
قلت : هي كثيرة ووفيرة …. تبعث العجب والحيرة… فأي الفنون تريد، قديمها أم حديثها والجديد؟!
قال صاحبي: أبدأ لي في القديم.. فلعله استنساخ عظيم… يرفع خسيستنا … ويعجل نهضتنا….
قلت: قد استنسخنا المنكرات… في الشبهات والشهوات…. فأحيينا الرذائل بيننا… وطورنا سبيلها ومهدنا طريقها..
أولاً: وضعنا النار بجواز البنزين باختلاط البنات مع البنين فاستنسخنا تبرج الجاهلية الأولى… وهذا نوع جيد من الاستنساخ ولازال الاختلاط قائماً في الجامعات بين البنين والبنات حتى غدت جامعاتنا أوكازيونهات مفتوحة ومعارض للأزياء… ولله در القائل للمتبرجة :
لحد الركبتين تشمرينا بربك أي بحر تعبرينا
وقد زدنا على استنساخ تبرج الجاهلية الأولى أن قنناه… وعممناه في دور العلم.. ووضعنا عليه صبغة أكاديمية ودافعنا عنه بحجة أنه يبعد الكبت ويفتح طريقاً للزواج… وبالفعل قد بعد الكبت وأحل محلة الحيرة.. وقرّب طرق الرذيلة.. وسد أبواب الزواج وفتح أبواب الهرج والمرج والانزلاج…
قال صاحبي: ويحك يا جاسم، لقد أحسنت في الطلاسم ما هذا وذاك.. أيستنسخون حياتنا كلها دقيقها وجليلها … أولها وآخرها…؟
قلت: نعم… لا تعجب… ولعنادك لا تركب سأخبرك بالشاهد والدليل وبالبيان والتمثيل .
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ الاسرائيلي والاستنساخ العربي…
قلت: نعم استنساخ اليهود هو الاستنساخ الناجع النافع، فهو استنساخ مطور متراكم يسلم بعضه لبعض ويعضد بعضه بعضاً..
قال صاحبي: وكيف ذلك .
قلت: منذ سنة 1897م وانعقاد المؤتمر اليهودي في بازل بسويسرا بقيادة الداهية اليهودي تيودور هرتزل والاعتزام على إنشاء وطن قومي لليهود… من يومها واليهود يستنسخون قادة أمثاله بل أشد منه عتياً….ثم كان مؤتمر لندن سنة 1907م الذي أعده نخبة يهودية في السياسة والاقتصاد والفكر تؤيدهم بريطانيا العظمى لضمان تخلف وتفكك العالم الإسلامي بعد إعداد العدة لإسقاط الخلافة العثمانية، ثم كان سنة 1917م حيث وعد بلفور المشئوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (بتخطيط قادة اليهود)، ثم تخلت بريطانيا عن فلسطين بعد تمكينها اليهود فيها سنة 1947م، ثم جاء قرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947م والذي بموجبه حصل اليهود على نسبة 54% من الممتلكات الفلسطينية فيما كانوا لا يملكون إلا 6% من الأراضي الفلسطينية، ثم الحرب اليهودية العربية سنة 1967م حيث ابتلع اليهود كل فلسطين إضافة إلى سيناء المصرية والجولان السورية، وهكذا يستنسخ اليهود البقرة ليحلبوها والشاة ليصدروها والقرود ليلاعبوها ويحافظوا على أمن اسرائيل منذ تيودور هرتزل مروراً بمن بعده من بيجن، وجولدا مائير، وشامير، وعزرا وايزمان وبيريز، ونتنياهوا، وباراك، حتى ابن اسرائيل الوفي شارون الملعون أوفى المستنسخين اليهود…
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ الشاروني؟
قلت: أعني به أن شارون العجوز الأشمط هو نفسه سفاح 1973م وهو جزار 1989م حيث أعلن
احذروا من المتهودين المستنسخين عملاء اليهود…
إنهم يدلونهم على عوراتنا ويغتالون معهم قادة الجهاد في فتح وحماس . |
في نفس شهر مايو من ذلك العام (أن الضفة وغزة ليست بلاداً غريبة علينا، بل هي بلادنا، ولم تكن هناك دولة فلسطينية فيهما أبداً، ولسنا محتلين، بل نحن في مناطق إسرائيلية).
وهو نفسه سفاح سنة 2001م حيث تولى الوزارة في فبراير الماضي إذ يقول ( إن أراضي وادي عربه غرب نهر الأردن أرض إسرائيلية وستبقى أرضاً إسرائيلية، ولا مفاوضات بشأنها) .
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ العربي؟
قلت: هو أنواع وأشكال ما بين استسلاخ واستنساخ فأي نوع تريد؟
قال: حدثني عن الاستنساخ أولاً ..
قلت: إن كان اليهود نسخوا أبطالاً وقادة كباراً فقد عرفنا أنواعاً جديدة وفريدة من الاستنساخ منها :
- استنساخ المفاوضات : كلما فاوضنا عدنا وكلما عدنا فاوضنا ورجعنا كما بدأنا، نستنسخ الأمس في اليوم، والفائت في اللاحق .
- استنساخ الاتفاقيات من كامب ديفيد.. لأسلو… لشرم الشيخ… لواي ديفر…إلخ استنساخ مكرور
- استنساخ الطاولات .
- استنساخ القبلات والمصافحات .
وخاصة لوارين كريستوفر الذي اعتزل وزارة الخارجية بسبب القبل العرفاتية التي أشحبت وجهه وجعدت تقاسيمه، وما تلاها من قبل (مادلينية أولبرايتية) ولا أكذب فأقول إنها استنساخ لنفس القبل اللوارينية إنما هي قبل خاصة (مطورة عن القبل الأولى) وكيف لا وهي لمز أولبرايت السمينة البطينة والتي بقي فيها (بقية من أنوثة قد تعجب بعض رؤسائنا العفوفين) ثم القبل الكولونية الباولية وليست البولية( استغفر الله…)، وهكذا قبل يتلوها قبل ومصافحة يتلوها مصافحة.. يومنا كأمسنا وهو كغدنا.. مع اعتذارنا للشاعر العربي الذي يكره الاستنساخ ويحب الجديد ..
أشاب الصغير وأفنى الكبير مرّ الليالي وكـرّ العـشي
إذا ليلة هرّمــت أختها أتى بعد ذلك يـوم فـتي
نروح ونغــدو لحاجاتنا وحاجة من مات لا تنقضي
قال صاحبي: وماذا عن الاستسلاخ في القضية الفلسطينية؟
قلت: أعني به أن اليهود قد استسلخوا عملاء لهم فسلخوهم عن عروبتهم ووطنيتهم بل وإسلامهم فصاروا مسخاً يهودياً في صورة عربي فلسطيني، يعنهم على تصفيد وتصفية الحركات الإسلامية في فلسطين.. بداية بحماس واستكمالاً بالوطنيين الغيورين من الجناح العسكري من حركة فتح… وإلا فأخبرني بربك ما معنى أن يغتال أربعة من وطنيي قادة جناح فتح العسكري في يوم واحد (الاثنين14/5/2001م) على حيطتهم وحذرهم وخفاء أماكنهم عن إسرائيل… ستكشف الأيام عن هؤلاء المستمسخين… وأنهم ليسوا جواسيس يتقاضون حفنة دولارات، وإنما هم ضباط ورتب….
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود
أضف إلى ذلك أن صحيفة (هآرتس) العبرية الصادرة صباح يوم الأحد الماضي 13/5/2001م نشرت خبراً عن إعلان الوزير افرايم سنيه من حزب العمل عن خطوات عملية لتهدئة المواجهة بين اليهود والفلسطينيين ولوأد الانتفاضة… وأنّى له أن يطفأ شعلة الغضب الشعبي والإسلامي الفلسطيني المتمثل في الانتفاضة إلا بيد المستسلخين من الفلسطينيين أنفسهم واسمع مأساتنا في تلك الأبيات المعبرات:
نسخنا مـن جهالتنا ألــوفاً ولم ننسخ نعاجاً أو خروفا
نسخنا الخوف في قلب الشعوب نسخنا حاكماً براً عفيفـا
يذيـق شعوبه مـر العــذاب ويُجري بحكمه دمـاً نزيفا
ويشرب كأسه من قوت شعب يعاني الفقر لم يجـد الرغيفا
ويضرب في وجوه الناس صفعاً بقبقاب ويتبعـه خفوفـا
وقد نسخ اليهود لنا يهــوداً بغـزة أو بيافا أبو بيحفا
يهوداً في الخفـاء وفي الجهـار يروك مقالهم عذاباً لطيفا
نسخـنا همّ ماضينا بهـمّ نسخنا أمسنا شبحاً مخيفا
نسخنا جهادنا خطباً حساناً نسخنا عزنا ذلاً ضعـيفا
قال صاحبي: وكيف الانسلاخ من هذا الاستنساخ والامتساخ؟
قلت: سبيل ذلك هو الجهاد الجهاد…فمن ترك السيف ذل.. ومن أعرض عن الله ضل قال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى..) وقد تحدثنا كثيراً عن ذلك ولا زلنا نقول الإسلام هو الحل ولن نمل التكرار مع التنبيه على الآتي:
- ينبغي اعتبار القضية الفلسطينية قضية أمة لا قضية سلطة ولا قضية دولة.
- ينبغي النظر في السياسة العربية والإسلامية جمعاء تجاه القضية وتبنى اطروحات جديدة تقوم على أرضية واقعية لا أوهام زائفة منكرة .
- كما تقوم قضية اليهود على أساس ديني ينبغي أن تقوم حلولنا على أساس قرآني وفكر إسلامي وأن يفتح المجال للشعوب والأحزاب والحركات والمنظمات العربية الإسلامية في التعبير عن غضبها وأطروحاتها للحل بعد تنسيق محكم بينها .
وهذا كلام قصدنا به الإجمال وقد نعود لتفصيله لاحقاً ورب إشارة أبلغ من عبارة .
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ في الكويت ؟
يا ويحنا… يا ويلنا أمسنا كيومنا كغدنا! لا جديد إلا الكلام… وعلى فلسطين السلام… |
قلت: نعم لقد بلغنا فيه مكانة لا بأس بها، وعندنا منه أنواع كثيرة أشهرها الاستنساخ السياسي، فهناك استنساخ للقرارات….. كلما قررنا عدنا وقررنا ثم قررنا ثم قررنا وهكذا أصبحنا دولة قرارات لا جديد فيها نستنسخ ماضيها لحاضرها ويومها لغدها….. هذا غير الاستنساخ الوزاري؟
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ الوزاري؟
قلت: نعم كلما مضت وزارة استنسخنا وزارة أخرى أو دورنا فهو نوع جديد من الاستنساخ لم نسبق به وهو (الاستنساخ المدور) وقد يستنسخ هو الآخر فيصير (الاستنساخ المطور)، إنه استنساخ الانهزامية وعدم الثقة…
قال صاحبي: وماذا عن استنساخ الانهزامية؟
قلت: في كويتنا قسط كبير من هذا النوع وهذه إشارة له .
ولله در حكومتنا كانت في قضية المنظور الإسكاني يداً واحدة بخيلها ورجلها منافحة عن رؤيتها لأنها منظور دولة لا رؤية وزير فحسب… إنها مشكلة تجاوزت نصف القرن ولا تزال قائمة…
ثم بعد ذلك يأتي وزير آخر فما يجاوز شهرين من استوزاره حتى ينسخ وليته استنسخ بجرة قلمه كل ما نافحت عنه الحكومة… وكل ما تبنته… إنها بحق الانهزامية، وصدق الدكتور أحمد الربعي لما قال ما معناه (هذه دولة لا يغزى بها) ونزيد مقالته قولاً بأن كل التكتلات ليست أهلاً لأن يغزى بها بل ولا الأمة العربية ولا مجلس التعاون ولاغير ذلك بسبب الانهزامية وعدم الثقة والمصداقية في التصريحات والمواقف والدفاعات والمقالات …..
ونهنأ الدكتور عادل الصبيح في وزارة النفط ونقول له: ياحبذا يا دكتور لو أتيت لنا بمنظور جديد في حقول الشمال، فلعله يدخل هذه المرة في خلاف مع الكتلة الشعبية والحكومة… فتنحل الحكومة… وتستنسخ مكانها حكومة أخرى يأتي فيها وزير آخر فيمسح الرؤية كاملة …
فاعجب وما أكثر العجب… ورحم الله أبا العتاهية لما قال :
من لا يزل متعجباً من كل ما تأتي به الأيام طال تعجبه
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ الاقتصادي؟
قلت: هو أنواع يجمعها البعد الاقتصادي، فهناك استنساخ نهبي (نسبة إلى النهب) حيث تطل علينا الأخبار من حين لآخر بعمليات نصب وتبديد وإهدار للمال العام…. وكلها نسخ مكررة…
وهناك استنساخ أزماتي (نسبة إلى الأزمات الاقتصادية) وفيه نعيش في أزمات تلو أزمات عشنا قديماً فيها، ولازلنا نحياها ولم نتجاوزها وإنما هي نسخة عن ماضيها وغداً وبعد غدٍ سننسخ منها أمثالها ونطورها ونعد لها ولم نتجاوزها.
قال صاحبي: وماذا عن الاستنساخ الاجتماعي؟
قلت: هو نوع جديد أيضاً من الاستنساخ يقوم على استنساخ العادات السيئة والقيم الرديئة وإحيائها… في المجتمعات العربية والإسلامية ثم تطور هذا الاستنساخ إلى استنسال لتقليعات غربية مطورة معربة (على الطريقة الشرقية) لتلائم الذوق العربي والإسلامي أهمها تقليعة البانجو …. والمخدرات الطبيعية والمخلقة…