بقلم : د.جاسم محمد مهلهل الياسين

لازلنا نواصل حديثنا عن حضارة الإسلام وإشراقاتها وجنباتها المضيئة وها نحن ذا مع المفتاح الثالث من مفاتيح الحضارة ألا وهو مفتاح الأخلاق والقيم الإسلامية، وهو مفتاح أسس له مكانته وله بالغ الأثر في انتشار الإسلام وفتح قلوب العباد ومغلق البلاد لهم .

كيف لا ورسالة الإسلام تصب كلها في مجرى الأخلاق والقيم وهذا رسول الله يعبر عن ذلك بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ولله در القائل:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت               فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ومفتاح الأخلاق كان له أثر السحر في النفوس وفي القلوب كأنه عصى نبي الله موسى، استمالت معه أعتى الشعوب إلى شعوب رفيقة رقيقة مندهشة من أخلاق المسلمين وقيمهم، تحذو حذوهم وتتلقف مقالهم، وتتبع خطاهم، ولم لا؟! وهي أخلاق ربانية أصلها ثابت وفرعها في السماء وهي أخلاق عملية معيارية وسطية نورانية شمولية…. إلى غير ذلك من المزايا التي لا ينتهي حسنها ولا يقع تحت الحصر فضلها وهذا التاريخ بين أيدينا لا يسعنا إلا أن نسأله عن أخلاق المسلمين وكيف كانت وكيف أنها كانت أمضى من السيف في نشر دعوة الإسلام، ودعونا نتساءل ونقول ماذا كان سلاح رسول الله في فتح قلوب العباد وفتح أقاصي البلاد…. أهي عدة الحرب… من الخيل والرجل والركاب… أم من المال والزاد ؟

رأس ما لنا لتسويق الإسلام وعولمة الدعوة هو الأخلاق والقيم الإسلامية.

لا هذا ولا ذاك إنما كانت عدته هي قيم الإسلام التي تمثلها خير تمثيل حيث كانت (أخلاقه القرآن) فكان قرآناً يمشي على الأرض وقرآناً يمشي بين الناس وهاهوذا يعود يهودياً في حال مرضه وما أدراك ما اليهود؟ وكان اليهودي أوشك على مباشرة الموت فيقول أمامه لابنه قل لا إله إلا الله فينظر الغلام إلى والده مندهشاً فما كان من اليهودي إلا أن لهجت شفتاه لابنه قائلاً ( أطع أبا القاسم)…!! كيف بالله قالها اليهودي…. وأنى له أن ينخلع من عقله ونهجته ويشير على ابنه بالإسلام… لا شئ إنما هو سلاح الأخلاق الذي لا يقاوم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غمره بخلقه وتمثيل الإسلام بقيمه فعاده وهو مريض على رغم إيذائه المتواصل له… فما استطاع اليهودي فراراً ولا استطاع نكوصاً وإنما باح بما يقتضيه الحال وبما يرد عليه ماء وجهه وهناك من المواقف الكثير والكثير وهذه كتب السيرة ملأى وهذه سير السلف مكتظة بالروائع والعبر والدروب الأخلاقية التي أثمرت إسلام الناس لربهم ودخولهم في الإسلام طوعاً .

مفتاح الأخلاق رأس مالنا لتسويق الإسلام :

نعم هذه ملحوظة ينبغي أن توضع في الحسبان وأن تؤخذ مأخذ الجد… لأن الغرب فاقنا حضارة مادية وفافقنا في دروب كثيرة مدنية على أننا نملك مفاتح التمدن وأصول الإنسانيات….؟!

وأظن من وجهة نظري متفقاً مع كثير من العلماء المحدثين أن غير المسلمين لا سبيل لنا لقرع أبوابهم إلا من بوابة الأخلاق فتلك أفضل بضاعتنا وتلك عدتنا وعتادنا في زمن المادة وزمن الإنهزامية وانحسار المجد المادي والعمراني عنا….

وهؤلاء هم البوذيون يجتذبون الغرب بطقوسهم الروحانية الزائفة والغريبة فأصبحت تقليعة اعتناق البوذية رائجة لدى نجومهم وممثليهم وعليتهم ونحن أولى بأن نقتحم قلوبهم بسلاحنا الماضي الذي لا يفلُّ ألا وهو سلاح الأخلاق والقيم…‍‍‍‍!!

مع التنبيه على أن الأخلاق ليست مفهوماً نظرياً محضاً أجوفاً أو فلسفياً جدلياً عقيماً وإنما هي تلك الأخلاق الإسلامية التي مصدرها الكتاب والسنة الصحيحة فهي النبع والأساس والمنهج والعتاد بلا غلو فيها ولا تقاصر عنها ودعونا من الفلسفات والتعقيدات التي شققت المعاني وتقعرت الدلالات فحولت الأخلاق إلى جدليات أرسطية، وتهويمات أفلاطونية أو مغلقات ومرقعات سيناوية أو فاربية وإنما الأخلاق المقصورة هنا هي تلك الأخلاق الإسلامية الربانية التي يفهما الخاصة والعامة وتتقبلها النفس وتركن إليها…

الإسلام ينشر في آسيا بأخلاق وقيم التجار المسلمين :

انطلق الإسلام من أم القرى مكة ثم المدينة ثم من جزيرة العرب وأخذ يصعد ويصوب ميمنة ومشأمة حتى استتم له كسر وهزيمة أقوى امبراطوريتين حينئذ (الفرس والروم) ثم ساد البلاد والعباد وبقيم الصحابة فمن بعدهم من سلفنا المجاهدين رحمه الله .

وتمثل الدول الإسلامية في آسيا (26) دولة وهذه الدول هي :

1- السعودية                     2 – الكويت                      3 – الإمارات

4- قطر                          5 – عمان                 6 – البحرين

7- العراق                        8- اليمن                  9 – إيران

10- أندونيسيا                   11- ماليزيا               12- أذربيجان

13-سوريا                       14- فلسطين             15- الأردن

16- لبنان                       17- طاجكستان         18- باكستان

19- بنجلاديش                 20- بروناي               21- تركيا

22- تركمنستان                  23- قرغيزستان           24- كزاحستان

25- المالديف                   26- أوزبكستان

دور الأخلاق والقيم الإسلامية في انتشار الإسلام في آسيا :

فتح المسلمون الشرق الأقصى بعدما قوضوا الامبراطورية الفارسية في القادسية (637م) وواصلوا فتوحاتهم فاستولوا على خرسان (671م) ونهرم جيحون (674م) وبلخ (705م) وبخارى (709م) والسند وسمرقند وفرغانة وخوارزم (712م)، وحيدر آباد وملقان (713م) وجورجيا (722-733 م)، وكاشغر (740م) وطخارستان (749م)، وطشقند (751م) وغيرهما …

لا سلاح أمضى في فتح قلوب العباد وأسلمة البلاد من سلاح الأخلاق.

ثم فتح المسلمون الهند على يد محمود الغزنوي (997-1030م) فقد غزاها من دويلته غزنة في شرق أفغانستان سبع عشرة غزوة، ثم استولى الغوريون على دلهي سنة 1186م ونزلوا بشمال الهند ثلاثة قرون .

ثم بلغ كاشغر أطراف الصين (714 – 715 م)…. وهكذا تتابع الفتح على يد المسلمين .

أخلاق المسلمين تفتح قلوب العباد قبل البلاد :

نزل المسلمون في أصقاع آسيا للتجارة ولنشر الإسلام بين أهلها وقد تعرف أهل هذه البلدان على المسلمين عن طريق المعاملات والاحتكاكات التجارية إذ عرف المسلمون عنهم صناعات وعرفوا عن المسلمين صناعات واستورد المسلمون منهم وصدروا إليهم محاصيل كثيرة….

ثم أعجب أهل هذه البلدان بأخلاق المسلمين مثل :

  1. الصدق في الحديث .
  2. الوفاء في العهد .
  3. وفاء الميزان والكيل .
  4. الموالاة والتقارب والوحدة بين التجار المسلمين .
  5. قيم الإسلام الأسرية .
  6. أخلاق الإسلام ( الفكرية من ناحية بساطتها وواقعيتها وسموها في أهدافها وغير ذلك الكثير من خلال تعاملات التجار المسلمين واحتكاكاتهم في السند ومليبار، وسيلان وجاوه والصين…).

وكان أول من استوطن هذه البلاد من العرب شرف بن مالك ، ومالك بن دينار ومالك بن حبيب بعياله فدعو إلى الإسلام، واستقرت جماعة من تجار العرب في سيلان سنة 700م فتعرف أهل سيلان على أخلاقهم واعتنقوا الإسلام على أيديهم .

ولما فتح طريق التجارة إلى الصين استورد المسلمون منها الحرير والخز والورق، وتوسعوا في تجارتهم وكثرت جاليتهم هناك وتأثر كثير من السكان بأخلاق الصينيين ودخلوا في الإسلام .

ثم تعدد السفارات بين الصين ودمشق في عهد خلافة الوليد بن عبدالملك وعمر بن عبدالعزيز وهشام بن عبدالملك، ثم تحولت السفارة إلى بغداد في عصر الدولة العباسية وتعرف الصينيون على أخلاق المسلمين ودينهم في سفاراتهم من وإلى البلاد الإسلامية وتتابعت وفود المسلمين حتى بلغت 76 وفداً سنة 716-1207 ، وأشهر تجار المسلمين ومؤرخيهم الذين تحدثوا عن الصين كان ابن بطوطة الرحالة الشهير ، وسليمان التاجر من العراق… وبلغ من ثقة بعض الصينيين بالمسلمين أن ملك الصين ( سونسرغ) استنجد بالعباسيين على الثائر شي حول سنة 762م .

وهكذا كانت الأخلاق والسفارات الإسلامية هي المهد الأول في انتشار الإسلام .

الإسلام يدخل قارة أفريقيا بالأخلاق والقيم الإسلامية :

نعم دخل قارة أفريقيا على أسنة القيم، ورماح الصدق، وسيوف العدالة… فكان العدل قبل السيف والصدق قبل الرمح وروح الإيمان قبل حد السنان… وهكذا فتح قلوب العباد واستوطن ربوع البلاد بأخلاقية العليا وقيمه الربانية السامية توكيد لما سبق ذكره من أهمية الأخلاق في بلوغ المسلمين للأفاق وتوسع حضارتهم وانتشار ديانتهم….

دول أفريقيا الإسلامية :

بدأت الفتوحات الإسلامية لإفريقيا مبكراً في عهد الخليفة الراشد الفاروق عمر رضي الله عنه سنة 639م حيث فتحت مصر ثم تلتها الدول الأخرى حتى أصبحت عدد الدول الإسلامية 26 دولة هي :

1 – مصر                  2 – تونس                 3 – الجزائر

4 – المغرب                5 – ليبيا                   6 – موريتانيا

7 – الصومال              8 –  السودان             9 – أوغندا

10- بنين                 11- بوركينافاسو          12-جزر القمر

13- جزر القمر           14- جيبوتي              15- السنغال

16- سيراليون             17- الطوغو              18- الغابون

19- غاميبيا              20- غينيا                21- غينيا بيساو

22-الكاميرون             23- مالي                 24- موزمبيق

25- النيجر               26-  نيجيريا

أخلاق المسلمين تفتح بلاد وقلوب المصريين :

في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم فتح مصر ، لا بالسيف والعنوة وإنما بالمحبة والأخلاق، حيث أذن عمر بن الخطاب لقائد الجيوش الإسلامية في أفريقيا عمرو بن العاص بالزحف إلى مصر سنة 639م فأول ما تم له هو فتح العريش (693م) ثم تابع عمرو بن العاص زحفه من سنة (640م – 642م ) وحاصر الاسكندرية ثم استلمها من بطريرك الأقباط (المقوقس) .

أخلاق الإسلام الصحيحة بريئة عن الجدليات والميتافيزنقيات والتهويمات واليونانيات…..

الأثر الأخلاقي في فتح البلاد وقلوب العباد :

كان المصريون قد عانوا الأمرين من الاحتلال البيزنطي لمصر حيث كان البيزنطيون يفرضون الضرائب المثقلة بل تجاوز الأمر إلى فرضها على الأموات قبل دفنهم وعلى عبور الطريق… مع الاضطهاد الديني للمصريين على أن البيزنطيين والمصريين مسيحيون معاً…. فاستغاث المصريون بالمسلمين الفاتحين ورحبوا بهم بل وأعانوهم على هزيمة البيزنطيين….

ثم رأى المصريون الأقباط أخلاق المسلمين في تعاملهم وسماحتهم وحسن مقاضاتهم وعفتهم وقيم العدل والإخاء والمساواة مما لم يبصروه من المسيحيين أمثالهم فانشرحت صدورهم للإسلام وراحوا يتوافدون على دين الله طوعاً لا كرهاً… وتحولوا عن المسيحية إلى الإسلام وعن اللغة القبطية… إلى لغة القرآن… وهكذا استتم الفتح بالأخلاق والقيم .

الإسلام يفتح غربي أفريقيا بقيمه الأخلاقية :

اشتهر غرب أفريقيا بثرائه ورخائه وخاصة في غانا فتوافد المسلمون من الشمال عليها للتجارة فيها كما استطونها بعضهم ومن خلال التعاملات التجارية واستكشاف أهالي غانا لأخلاق التجار المسلمين وقيمهم السامية ودينهم العظيم اعتنقت قبيلتان من البربر الإسلام وهما قبيلتا لمنونة وجودلة فعملوا على نشر الإسلام في ربوع غرب أفريقيا واعتنقت قبائل ساراكولا الإسلام كذلك وتم فتح غانا سنة 1076م… ثم راحت بعض القبائل الإسلامية غانا إلى بلدة والاتا في السودان الغربي وأنشأوا فيها مركزاً تجارياً فتعرف أهلوها على الإسلام ودخلوا فيه طوعاً .

بالأخلاق لا بالسيف فتح الإسلام آسيا وأفريقيا…. واسألوا التاريخ إن كنتم لا تعلمون .

وكذلك اعتنق ملك غينيا الإسلام وكثير من رعاه سنة 1204م طوعاً وحباً في الإسلام، واعتنق سوندياتاكيتا خليفة أمير قبائل الماندابخ الإسلام وأسس إمبراطورية مالي، وتأثر أحد حفدة دولة سنغاي الإسلام سنة 1009م طوعاً وتأثراً بأخلاق وقيم التجار المسلمين… واعتنق كذلك أحد سلاطين مملكة برنور شمال بحيرة تشاد الإسلام وتسمى باسم عين محمد بن جبل بن عبدالله كما ذكر المقريزي وذكر أنه حكمها سنة 1806م، وتوفي بمصر في طريقه إلى الحج …..

وهكذا يدخل السوقة والعامة والخاصة والنبلاء من السلاطين والملوك والخلفاء في الإسلام طوعاً لا كرهاً إعجاباً منهم بأخلاق التجار المسلمين وقيمهم الإسلامية في الأعم الغالب .