بقلم: الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين
عنوان هذا المقال هو العنصر المشترك في معظم الحوارات الفضائية والمقالات الصحفية التي تناولت الشأن العراقي الأسبوع الماضي بعد امتثال “شلة الإجرام” أمام المحكمة العراقية لينالوا قصاصهم العادل.
معظم المداخلات الفضائية والحوارات لا تخلو من جملة “يجب على العراقيين” “وعلى العراقيين أن” و”وواجب العراقيين الآن” وكأن على العراقيين فوق مصائبهم وهمومهم الوطنية أن يتحملوا تنظير بعض الأصوات العربية التي تكدح من أول النهار إلى آخره دون أن تستطيع تغطية متطلباتها المعيشية ودون أن تعترض على هذا الوضع المخزي في بلادها، ثم تأتي آخر الليل لتصنع استراتيجيات العدالة للشعب العراقي.
أحد المتصلين شدد على إقامة العدل والدولة الإسلامية الخالصة في العراق والوالي المؤمن الذي يقود الشعب إلى الحالة النورانية، ونسي المتصل نفسه وهو الذي ينتمي لبلد حصل فيه تزوير فاضح في الانتخابات الأخيرة اعتقل فيها زعيم المعارضة، وكادت أن تنجح حركة انقلابية فيه لو لم تستعن الحكومة بقوات إسرائيلية خاصة لإحباط الانقلاب كما أشيع في وقتها، وخصوصاً أن هذا البلد العربي يحظى بعلاقات حميمة مع الكيان الإسرائيلي!!
لقد جربنا نحن في الكويت مأزق النصائح المجانية من منظري العرب قبل إخوتنا في العراق، وذلك إبان فترة الغزو الغاشم، وكان قدرنا أن نتحمل كل المظاهرات العربية التي كانت تبحث عن الطحين والأرز والسكر وتعاني من البطالة والفقر والأمية، ولأنها لم تكن تجرؤ على التظاهر لهذه الأسباب تظاهرت تأييداً لصدام وشتماً في أمريكا ولكن الحقيقة كانت غير ذلك.
من حق مناضلي الفضائيات ونحن معهم أن يدينوا ويشجبوا ما حصل في سجن أبو غريب من ممارسات حقيرة ومنحطة بحق الشعب العراقي، لكنهم لماذا لم يدينوا ما كان يفعله صدام حسين في نفس المكان إبان حكمه، ولماذا لا يدينوا ما تفعله الآن بعض الأنظمة العربية في انتهاكاتها لحقوق الإنسان والتي وصلت في بعض الدول إلى معاقبة من يساعد زوجات المعتقلين ولو بقطعة خبز!.
من حق مناضلي الفضائيات وفوارس الكلمة أن يدينوا ما تقوم به سلطات الاحتلال من قتل عشوائي ومهانة تجاه الشعب العراقي ونحن نؤيدهم
ومعهم، لكنهم بالمقابل يجب أن لا يصمتوا صمت القبور وهم يرون التفجيرات الإرهابية العشوائية وهي تقتل المدنيين العراقيين بالعشرات بدعوى مقاومة المحتل، فما يجب أن نعلن الصوت عالياً عندما يكون المعتدي أجنبياً ثم نصمت صمتاً هو أقرب للقبول عندما يكون المعتدي عربياً، فالذي لا يقبل الاستعمار الأمريكي للعراق كان الأولى به أن لا يقبل الاستعمار العربي للكويت، والذي يبكي على ضحايا العراق بسبب الاحتلال كان الأولى أن يبكي على ضحايا صدام، ولكن يبدو أن قدر هذه الأمة أن يكون بأسها بينها شديداً وإلا لماذا عشرات القتلى في المواجهات اليمنية مع حسين الحوثي دون أن نسمع طرفاً يندد بهذه المجازر المجانية، هل فقط لأن المتهم منا وفينا!!
إننا قبل أن نحاكم صدام حسين يجب أن نحاكم البيئة التي ولدت هذه الديكتاتوريات، وقبل أن نصب غضبنا عل هذا القابع خلف القضبان والحديد ولا حول ولا قوة له وقد انتهى إجرامه وإيذاءه، يجب أن نغضب على صداديم أخرى لا زالت خارج القفص وتؤذي الناس وتحتاج إلى من يقول لها اليوم:لا.
لسنا هنا في معرض الدفاع عن أحد، فالكل مدان صدام وأمريكا والنظام العربي، المقارنة هنا ليست بين الرجل الشرير والرجل الطيب، بل بين سييء وأسوأ وظالم وأظلم، ولكننا نريد ممن يريد الحديث في الساحة السياسية أن يفتح عينيه ويلعن النظام الذي يمنع لقمة الخبز مثلما يلعن القوى الأجنبية والمؤامرة الدولية، ونريد ممن يدين الأعمال الإرهابية أن يدين أيضاً البطالة والفقر والهوة الشاسعة بين المنعمين والمحرومين.
ونريد ممن سكب ماء وجهه وأفسد أوتار حنجرته من كثرة الصراخ وهو يحاول الدخول للعراق ليدافع عن صدام حسين أن يتذكر قبل ذلك آلاف المساجين في السجون العربية والإسرائيلية، وعليه أن يقدم بعض الاحترام الممزوج بالحياء لآلام أسر ضحايا صدام الذين تألموا لما يزيد عن الثلاثة عقود.
إن الشعب العراقي شبع معاناة، وهو في وضع نفسي ومادي حرج ويحتاج إلى سنين طويلة ليداوي جروحه ويعيد ترتيب أوراقه، فتعود المياه إلى دجلة والتمور إلى النخيل والبسمة إلى الأطفال، ويعود العراق كما عرفناه إلى العراق وحنى يحين ذلك الوقت وعسى أن يكون قريباً نتمنى أن تتركوا الشعب العراقي بعيداً عن نصائحكم التي تفلح في الأساس لإصلاح أحوالكم الشخصية.
ومن يريد أن يساعد الشعب العراقي عليه أولاً أن يوفر نصائحه المجانية للوضع الداخلي في بلده، ومن يريد أن يقاوم الاحتلال الأمريكي عليه أولاً أن يقاوم النفوذ الأمريكي في بلده.
كلمة الحق ثقيلة وباهضة الثمن، والأقربون أولى بالمعروف فلا تفرغوا عقد جبنكم وتخاذلكم عن مواجهة أزمات بلدانكم بتصديرها للعراق وشعب العراق وأكرمونا بشيء من حكمة الصمت.