بقلم الشيخ د. جاسم المهلهل الياسين

متى تسكت الأقلام بني جلدتنا المعادية للإسلام

صناعة الخير في جزيرتنا .. قائمة دائمة باقية -بإذن الله-

تمضي سفينة الخير مشرعة بالعطاء والبذل والنوال في ماء الكرم وبحر الجود الذي تفجر في أصقاع وبقاع الجزيرة العربية.

فلله سدنة الخير ولله قافلة الخير ماضية عالية لا يعيقها عائق ولله در القائل:

لصاحبه وينكره اللئيم
فكل فعاله حسن كريم
رأيت الحق يعرفه الكريم
إذا كان الفتى حسنا كريما

فقاقيع الدمن

ولا تزال قافلة الخير ماضية في جزيرة الخير والعطاء بأمرائها وملوكها

لعل هذا العنوان يشير إلى تلك الحفنة الآثمة من أشباه المفكرين ومتسولي المناصب، وأنصاف الكتبة الذين ينقون نقيق الضفادع، ويطنطنون طنين الذباب منذ فترة طويلة .. ترى علام يطنطنون وفيما ينقون؟!

ليتهم يطنطنون في سبيل حق! أو يعملون على دحر باطل ..! ولكن هؤلاء المبتورين عن النقاء طنطنوا ونقوا غضبا وسخطا على منجزات العمل التطوعي والخيري وما تفتحت له من آفاق واسعة عمت الأيتام والمحتاجين والأرامل والعجزة من كل حدب وصوب فأغنت بفضل الله من فقر، وأطعمت من جوع، وكست من عري، وجمعت من شتات، وبنت من مهدوم .. وحفرت آبارا وعمرت مدارس .. وهكذا دواليك

وكيف لا وهذا دأب الإسلام في صورته الاجتماعية المشرفة التي تمثلت في خلائق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فكان أجود من الريح المرسلة بالخير، وكان يستر الأرملة ويأوي المسكين، ويصل القريب، ويعطي ذا الحاجة، ويعين الكل .. ويحمل على الضعيف حتى امتدحه الأصاغر والأكابر، والقاصي والداني بهذا فيقول عمه أبو طالب في قصيدة طويلة تصف شمائله، وأهمها العمل الخيري والتطوعي:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه      ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ولله در العاقل القائل:

سابق إلى الخير وبادر به        فإن من خلفك من تعلم

وقدم الخير فكل امرئ          على الذي قدمه يقدم

نبحات مسعورة وأقلام مأجورة:

  • رب قلم .. وكلمة .. يقودان صاحبهما إلى الحطمة.

ما إن صم آذاننا وأثار فكرنا ما حدث في نيويورك وواشنطن وما تبعه من توفز وتحفز .. حتى ثار أهل الكرامة ممن لم يعرفوها وأهل الشهامة ممن لم يسمعوا ..! بها ليشيروا بأصابع السوء والتهمة إلى المظهر الوضاء من الإسلام الاجتماعي، وما يمثله من العمل التطوعي والخيري عموما، وبأنه كان عاملا مباشرا أو غير مباشر وراء الإرهاب وأنه يجب انحساره وتقليمه ووأده في مهده..!

وقد عجبنا كل العجب من هذا الحقد الدفين والقول المسموم الذي انفجر من بحيرات آسنة كدرة ملؤها الحقد والضغينة والحسد على كل مظهر إسلامي .. إنه كيد مبيت بليل .. وما إن حل ظلام الانفجارات حتى راحت تلك الخفافيش تبيح لنفسها الاتهام، وكيل الأكاذيب على العمل الإسلامي الخيري بلا بينة ولا دليل إلا ما رسخ عندها من حقد دفين وشبهات لا تنهض لدى العقلاء بأقل دليل إلا في ذهن أصحابها وكأني بالعمل الخيري يخاطبهم:

إلا من الغش للإخوان والحسد
إن الفضيلة لا تخلو من الحسد
أنت امرؤ قصرت عنه مروءته
أإن تراني خيرا منك تحسدني

ترى من هم .. ومن يكونون ..؟!

أهم من الصهاينة وأذنابهم أم من حفدة المستشرقين وأتباعهم، كلا ..!

وهنا تكمن الحسرة وتهطل العبرة، فلو كانوا من أولئك أو هؤلاء لقلنا أعداء يصطادون في عكر الماء ورنق الهواء!! .. وإنما هم للأسف الأسيف، والعفو الكسيف من بني جلدتنا يتكلمون بلساننا من أصحاب القلوب الحجرية، والعواطف اللهيبية، والمشاعر العنقودية، على كل ما هو إسلامي ..!! إنهم بحق أهل غواية وعماية وجهل بلا دراية ولله در القائل فيهم:

عهد وليس لهم دين إذا ائتمنوا
منا وما سمعوا من صالح دفنوا
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا[1]
ما بال قوم لئام ليس عندهم
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به

رب قول وكلمة .. يقودان إلى قعر الحطمة:

  • هلموا أصحاب الأقلام السوية والكلمة العلية لوأد نبتة السوء الكارهة والمحاربة للعمل الخيري والتطوعي، فالساكت عن الحق شيطان أخرس

أعود إلى هؤلاء الفقاقيع وإن شئت فقل الفقاعات .. أو الفقعات .. أو الفقاقع .. أو التفاقيع .. أو أهل التفقع أو المفقعين أو المفقوعين وكلها مسميات جذورها لغوية صحيحة ومولودة تدل في جملتها على صحة أو عبثية القلوب السوداوية والمرارات المفقوعة من تطاول وتعالى المؤسسات الخيرية والتطوعية عاليا في عالم الناس وفي أروقة القلوب حتى صارت قبلة الفقراء والمساكين في داخل الكويت وخارجها وأصبحت بإذن الله وفضله عونا للملهوفين هنا وهناك ..

غير أن هذا الجلال وذاك التطاول لا يعجب أصحاب النقانق والشرانق .. فراحوا يسخرون أقلامهم المأجورة في حملات مسعورة على كل ما هو خيري وتطوعي إسلامي في محاولة آثمة للنيل من هذه الشموع الوضيئة في درب العمل الإسلامي ولكن هيهات أن يشم غبار الثرى صفاء الثريا ..!! وأن يتناثر التراب على صحائف السحاب..!!

ولنقل لهؤلاء قول سلفهم مأجور اللسان الحطيئة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها          واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي[2]

ذلك المخضرم الذي كان دأبه أن يسب أباه، ويسب أمه، ويسب زوجته، وإن عدم من يسبه تلفت في رعونة يسب نفسه حتى قال لها:

أرى لي وجها قبح الله خلقه        فقبح من وجه وقبح حامله!

وقد قال لأمه يسبها:

أراح الله منك العالمينا
وكانونا على المتحدثينا
تنحي فاقعدي عني بعيدا
أغربالا إذا استودعت سرا

وقال لزوجته:

إلى بيت قعيدته لكاع[3] أطوف ما أطوف ثم آوي

ولله درك يا ابن الخطاب لما هممت بقطع لسان هذا المارق -وقد كانت في دينه تهمة- فأين عمر..؟! أني لنا بعمر ليقطع ألسنة هذه الحفنة من فقاقيع الدمن التي تطاولت على شعار إسلامي وراحت تخوض فيه من حيث لا تدري، وقد جهلوا أو تجاهلوا وتغابوا وتعاموا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “وإن الرجل ليتفوه بالكلمة لا يلقي لها بالا من سخط الله فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا ..” نسأل الله العافية والستر والعصمة عن زلات اللسان الموبقات.

هلموا يا قادة الخير فادحضوا خفافيش الدجى

  • يا أصحاب الأقلام .. قد تكون زلات اللسان أخطر من زلات الأقدام .. ولا تحسبوه هينا وهو عند الله عظيم.

وجدير بي في مقامي هذا أن أهيب بأهل الخير أن يهبوا للدفاع عن شعارهم ودثارهم من فعل الخيرات وبذل المبرات ضد هذه الحفنة الآثمة .. فإنهم ينقون من قرابة شهرين ضد العمل الخيري والتطوعي .. ثم لما تجاوز أهل الحق وقادة الخير عنهم كأني بهم انتفحوا واستأسدوا واستنسروا على ما قال القائل:

إن البغاث بأرضنا يستنسر[4]

أو قول الآخر “لقد استأسد الحمل بعدما استنوق الجمل” وقد وهموا وأخطأوا .. وتجاوزوا الحدود وفتحوا على أنفسهم ما لا قبل لهم به .. في غيبة رد أهل الحق عنهم عاملين بقول من قال:

فمضيت ثمت قلتُ لا يعنيني ولقد أمر على اللئيم يسبني

واعتبارا بقول الآخر:

فخير من إجابته السكوت
وإن تاركته كمدا يموت
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فإن كلمته فرجت عنه

فلا بد للحق من أنصار .. ولا بد من التفاتة كل حين بالحق والعدل وبما أوصى الله وبما يقبله العرف الاجتماعي والقانون القائم ..!

ولله در القائل:

إن كنت شهما فأتبع رأسها الذنبا لا تطعن ذنب الأفعى وتتركها

فهؤلاء سلفنا الأوائل من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية قد أقام الله به الحجة في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول فقد دابرهم ونحر باطلهم وأعاد الله به راية وقار الرسول علياء شماء وله منهاج السنة وله الفرقان وهذا ابن القيم تلميذه له الصواعق المرسلة صعق بها أهل الباطل فسحقهم وهذا ابن حجر الهيثمي له الصواعق المحرقة وهذا ابن العربي له العواصم كلها سيوف بتارة أقام الله بها منابر الحق وهدم بها أركان الباطل، وهذا الإمام الغزالي لما نبتت في عصره نبتة الفلاسفة وقامت لهم راية ملؤها الفساد والغواية كتب لهم التهافت فتهافتوا وتساقطوا كالعصف المأكول .. حتى إن ابن رشد في تهافت التهافت لم ينله منه إلا التهافت وهكذا كان الحق واندحر الباطل .. وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا رحمه الله يأتي بنياق المناطقة في عصره من القواعد إذ ذهبوا يتمنطقون ويتزندقون مسرورين بأذنابهم ومتهللين بتركيباتهم فهب ابن تيمية داحضا لهم في “نقض المنطق” ومبينا أنه لا يستفيد منه الذكي ولا ينتفع به البليد وأن في كتاب الله غنى لمن اغتنى.

فانظموا ركابكم يا أهل الحق وانتهجوا سنن أسلافكم السابقين وقدوا دابر هذه الحفنة أشباه المتفلسفة وأنصاف المفكرين.

واعلموا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس

وهلموا واستفيقوا، ولا عليكم أن خوضوا في الردود ودق حجج هاتيه الفقاعات أو تشيروا إليها فرب إشارة خير من عبارة .. ولا يضيع حق وراءه مطالب أبدا .. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.

صيحة في فقاعة:

ولتعلم هذه الحفنة الدمنة الفقعاء الرقعاء أن ما ارتكبوه من إثم وما اختطوه من رسم لجدير أن يمحقها ويقطع دابرها .. وكيف لا وقد:

1- تعدوا على قيمة إسلامية وضيئة هي من شرع الله ومن محامد دينه ألا وهي فعل الخيرات وبذل المعروف ونشر البر والله تعالى يقول: “أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين، فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون

  • العمل الخيري والتطوعي ركيزة دينية وقيمة وطنية فلنجتمع في رحابه ولندافع عن حياضه.

وكما ترون فهذه الآيات تحذر أشد تحذير وتقرع القلوب والعقول بشر وعيد لمن يمنع الماعون، ومن لا يحض على طعام المسكين، وبشرتهم بالويل والثبور والخسران .. فما بالك بمن يعلنها حربا على العمل التطوعي الخيري ويشهر به ويدعو لاجتثاثه في هذه الحقبة الحرجة من الهجوم العالمي على المؤسسات التطوعية في العالم كله ..!!

2- هاجموا قيمة وطنية عرف بها أهل الكويت منذ نشأتها حيث إن شعب الكويت محب للخيرات ومشهور بالمبرات، وهذه أوقافه خالدة شاهدة بذلك، وهذه جمعياته الخيرية بفروعها في كل العالم تشهد بالعون والدعم الإنساني لكل المحتاجين .. بما يرفع من قيمنا الوطنية ويعزز دور الكويت الخيري على كل المجالات حتى إنها اختيرت بالإجماع في اجتماع وزراء الدول الإسلامية في جاكرتا سنة 1996 كمنسق عام لقضايا الوقف الإسلامي على مستوى الدول الإسلامية وما ذلك إلا لسبقها في المجال الخيري والتطوعي.

غير أن هاتيك الفقاعات لا زالت يكثر زبدها، ويعظم خبثها حتى حان قطافها، والرد عليها ودحر تشكيكها .. ووالله الذي لا إله إلا هو لولا أنني لا أريد أن أغير من نهجتي .. أو أن أتنحى عن طريقتي في التربية والتحليل والتأصيل وتكوين الشباب والأخذ بيد العامة والخاصة على دروب الدين في منهجه المستقيم متبعين معا قوله تعالى “قل إنما أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني” وقوله سبحانه “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” وأمثال هذه الآيات الكثير .. لولا هذه النهجة لالتفت إليهم وأكرعتهم من كئوسهم المسمومة ولجلبت عليهم أنا وأهل الخير والبر والعلم والفضل بخيلنا ورجلنا حتى نجتث بإذن الله شأفتهم، وندحض فعالهم وفقاقيعهم ونقد دابرهم .. فلا تسمع لهم رجزا ولا ينعقد لهم أمر، حتى يخرج كليب من قبره ..! “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” والحمد لله كويتنا الغراء لا زالت زاخرة عامرة بمن هو كفيل بردع هذه الحفنة الدمنة أشباه الفلاسفة وهم بحمد الله كثير وكثير قد تمتلئ هذه الصفحة بأسمائهم ولا أبالغ إن قلت بل الجريدة كلها وذلك إن أتيت على ذكرهم جميعا ..

وهناك أصحاب الحناجر الرنانة والكلمة القوية ممن تهتز لهم أعواد المنابر إذا خطبوا من هو كفيل بدحرهم ودحضهم وتمزيق نبتتهم الخبيثة في معاداة الخير وأهله إلى غير رجعة ..!

وإني لأهيب بنفسي وإخواني أن ينتبهوا جيدا إلى هذه الفقاقيع الدمنة وأن يحرصوا على حين على بقر نتنها ليفوح خبثها عليهم .. وتذهب غثاء إلى غير رجعة.

3- أنهم قذفوا العمل الخيري والتطوعي واتهموا أهله عدوا وبغيا بغير حق فراحوا يغتابون ويكيلون الاتهامات تلو الاتهامات ببضاعة مزجاة قوامها الغيبة والافتراء ومحض الباطل .. مشوهين صورة العمل الخيري وأنه يدعم الإرهاب ويخادنه ..!!

وتلك وحدها جريمة جديرة أن يستتبعها دعوة قضائية تلاحق فيها هذه الحفنة الدمنة والحمد لله هناك من المحامين أهل الحق الكثيرين والجديرين برفع تلك الدعاوى والاقتصاص من هؤلاء المبطلين بل هناك من الشباب الآلاف المؤلفة التي تتحرق قلوبهم ألما لأنهم لا يجدون ما ينصرون به إخوانهم في الدين، وإن وُهبوا قلما فلا يجدوا صحيفة، وإن وجدوا كلمة حق فلا يجدون معينا، وإن وجدوا خطابا للدفاع لم يجدوا منبرا .. وهكذا هم في عثار فهم يصرخون في الصحو والنوم حزنا ألا يجدون ما ينفقون ولا ما به عن الدين يدافعون والحمد لله هناك المتمكنون من أصحاب الأقلام والحناجر ممن يقومون عنهم بالواجب العيني ممن أشرت إليهم آنفا..!

4- أنهم ولغوا فيما قد يجلب اللعنة وسخط الله، ومن ذا .. له قبل بمحادة الله في دحض العمل الإسلامي الاجتماعي .. خاب وخسر .. وهيص وانكسر .. وتعس وبئس وإذا شيك فلا انتقش ..!! وقد علمنا أن الله لعن في الخمر عشرا (تقريبا) شاربها وعاصرها وحاملها وبائعها ومناولها وشاهدها والراضي عنها وآكل ثمنها ومسوقها .. إلخ

وكذلك في الربا آكله وكاتبه وشاهده .. إلخ

وليس ببعيد أن يلعن من يسعى لوأد العمل الخيري ومعاديه، فيلعن محاربه والمشهور به ومعاونه .. والقانع به .. الساكت عليه ..

قد يبطل العجب .. إذا عرف السبب

تالله لهو من مثيرات العجب، ومن دواعي الاستيقاف والاستخبار هذا الموقف المشبوه الملوث بشوائب دنيئة ولوثات فكرية وبنية مستغربة موغلة في معاداة كل ما هو إسلامي وديني، ولا زلنا مشدوهين وفي حيرة من هذه الحفنة المبطلة التي تتربص بالفكر والعمل الإسلامي كل حين وعلى كافة المستويات!! والتي يروعها ويفزعها أن العمل الإسلامي التطوعي هو الوحيد الذي استطاع فيه الإسلاميون أن يحشدوا فيه المجتمع بكامله فهذه جموع المتعاونين والمتبرعين بدءا من رئيس الدولة وانتهاء بعامل النظافة ومرورا بالأطفال والعجزة اجتمعوا على تحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم “اتقوا النار ولو بشق تمرة”.

ولله در القائل

وله البغضاء من كل أحد
من جليس السوء فانهض إن قعد
ليس للحاسد إلا ما حسد
وأرى الوحدة خيرا للفتى

وكأني بهم أيضا سعداء مغبوطين من أن يروا أهل الدعوة في ضيق عيش ودعة يستجدون ويشحذون فيصيرون مهملا ودراويش مقعدين .. يطوفون الطرقات ويتلهى بهم العامة والصبية ..!

ولكنهم قالوا قديما “إذا عرف السبب بطل العجب”

ولله القائل:

تأتي به الأيام طال تعجبه من لا يزل متعجبا من كل ما

ولقد رحت أتحسس هذه الأسباب وراء تلك الحملة المحمومة على العمل الإسلامي والخيري، فلم أجد إلا ما سأذكره من تلك الأسباب الظاهرة لدي والله أعلم بالبواطن، وقد يكون ما خفي أعظم.

أولا: البنية الفكرية (المستغربة)

وهي تلك العقول التي لا تعرف إلا ظاهر حضارة الغرب ذات البريق المعماري، والزعيق التقني، والتطاول المادي، فراحوا يؤمنون بها وبكل مأثوراتها ظاهرا أو باطنا .. ويوالون لها ويعادون عليها فولوا قبلتهم شطر الغرب وحضارته المادية .. فليتهم عرفوها ظاهرا وباطنا واستوعبوها قلبا وقالبا وإنما هو انتساب إلى غير نسب، وتشبث إلى غير سبب، وتشبع بما لم يعط .. وتبعية على غير بينة وروية!!!

وهذه الفئة تفاعلت مع معطيات الانبهار بكل ما هو غربي فراحوا يتقولبون في قوالب “علمانية” لا دينية” تردد ما يزعمه المستشرقون بلا تبصر فهم أبواق لهم وهم صدى لما يكتب عن الإسلام والمسلمين في صحافة الغرب وهم على ما قال القائل:

غويت وإن ترشد غزية أرشد[5] وما أنا إلا من غزية إن غوت

ثانيا: اختلاط المفاهيم العقدية والجهل بالحقائق الإسلامية:

وهذا جهل بين ومطبق لدى هذه الحفنة المستغربة فليتهم لما تعالموا وتعلمنوا اجتهدوا في فهم حقائق الدين الذين ينسبون إليه ويحسبون في الجملة عليه، ولكنهم فقهوا كل بريق غربي وجهلوا حقيقة ما هو إسلامي وإني لأخاف عليهم الدخول تحت قوله تعالى: “يعرفون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون”، وأخاطبهم بقول القائل:

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

ومن مظاهر جهلهم

* جهلهم بمفهوم الولاء والبراء

  • نهض الغزالي على الفلاسفة فتهافتوا .. وقام ابن تيمية على المناطقة والمبتدعة .. فتهالكوا .. فمن لحفنة الدمن أعداء العمل الإسلامي والخيري والتطوعي..؟!!

وهو من أصول الإيمان ومن ثوابت العقيدة حيث المسلم الحق هو الذي يوالي على الجملة أهل الإيمان والإسلام فيحبهم وينصرهم ويؤزرهم، ويعادي ويبرأ من أهل العصيان والكفران فيبغض كفرهم ومعاصيهم ولا يعينهم عليها وهذا ما عبرت عنه الآيات والأحاديث قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله

وقال سبحانه “لا تجد قوما يؤمنون بالله ورسوله يوادون من حاد الله ورسوله ولو كان آباؤهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ..”

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “من تشبه بقوم فهو منهم، ومن أحب قوما حشر معهم” وقال أيضا “يحشر المرأ مع من أحب” وقد عرف في الإسلام أن “الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان” ولله ابن عباس عندما قال “وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله”!

والولاء والبراء من الإيمان بمكان إذ قد يخرج فاقده من رحابة الدين إلى غيره من مدارج .. نسأل الله العصمة والعافية ..!

ومن أهمية الولاء والبراء أن المرء قد يبالغ في البعد عن المعاصي الظاهرة من مثل شرب الخمر والزنى إلا أنه يلقي بنفسه في التهلكة في موالاة أعداء الله ومحادة أولياء الله وهذا أخطر بكثير من تلك المعاصي الظاهرة على حرمتها وقد قال الله تعالى “إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين”

فليحذر أولئك ولينتبهوا وليستفيقوا قبل تجاوز الخطوط الشرعية الحمراء ..

وليحذروا من الانحدار في مستنقع الإسلام الأمريكي أو “الإسلام المودرن” إسلام المباني دون إسلام المعاني فهذا من الخطورة بمكان ..!

ثالثا: الحقد الدفين والحسد المكين على الصحوة الإسلامية وثمارها

وهذا الحقد يظهر جليا في سلوك هذه الحفنة من ذوي الأقلام المسعورة في تسويدها بياض العمل الإسلامي بما تخطه من أعمدة في صحف ومجلات فتحت لهم أبوابها وأباحتهم تسويد صفحاتها ..

  • ليس ذنب المشروع الإسلامي الخيري أن الجماهير أقبلت عليه واحتضنته لأنه يمثلها، وعلى الآخرين طرح مشاريعهم لخدمة المجتمع بدلا من الولولة على المشروع الإسلامي.

فهم لا ينفكون في تحقير كل رمز أو مظهر إسلامي والعمل على وأده في مهده مع الحرص الخبيث على الاصطياد في الماء العكر وهذا دأب بوم وغربان الفكر .. وإلا بالله كيف يفسرون هجمتهم الشعواء السوداء ودعايتهم الظلماء على العمل الإسلامي والتطوعي والخيري..!!

زعامات الأذناب .. محسورة مغمورة غير مسموعة الكلمة لدى أهل القوامة بإذن الله

لا زلنا نتابع الحديث عن تلك الحفنة النابتة وما أكثرها في كل عصر ومصر فقد سمعنا كثيرا عن زمرة السوقة من دنايا القوم وسقطهم ممن إذا قالوا أعجموا وإن كتبوا أبهموا، وإن فضحوا مدحوا وإن أساءوا أحسنوا .. “كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا” فهم يبذلون الجهد الجهيد، ويسخرون النفيس والقديد، في سبيل هدف مبتغي وسعي مرتجى إلا أن الله يقلب سعيهم وينقض غزلهم، ويحل مبرمهم وهكذا دربهم “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..”

ولا أظن هذه الحفنة المتعاملة إلا ضربا من هذه الضروب المهمة كالواو في “عمرو”، أو كالنقط في غير نقط، أو كالتذييل في العروض الذي يفسد النغم وينقض الوزن ..

وإنه لأحمد الله لأهل الإسلام أنهم لا يرعون آذانهم لهذه الحفنات من الفقاعات الدمنة وأنهم ماضون على درب وسنن الشريعة من إعلان الخير، وبذل البر، ونصرة العمل الخيري والتطوعي وأنهم ساعون في توثيق عرف آبائنا وأجدادنا المسلمين والكويتيين من السابقين بالخيرات والواقفين والساعين بالمبرات وعلى رأسهم صاحب مسيرة الخير أميرنا حفظه الله.

وفي الختام نطمع أن يهب كل إسلامي مناصر للحق ضد تلك النبتة الخبيثة ليذهبوا بها أدراج الرياح فالساكت عن الحق شيطان أخرس .. نسأل الله السلامة والستر والعافية

اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد ..!!

المانشيتات

  • ..
  • فلتحذر حفنة وفقاعات الدمن من هيجة أهل الحق وصولتهم فالحق باق والباطل إلى انمحاق.

[1] يقال أذن الرجل للقول: أي ألقى سمعه وأصغى بانتباه ويقظة زائدة

[2] أي اقعد في بيتك أيها الخانع فأنت لست أهلا للمكارم وغيرك يطعمك ويكسوك وهنا استعمل اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول .. فانتبه!

[3] اللكاع هي المرأة المتناهية في الخبث

[4] يعني إن البغاث وهو الطائر الصغير يصير نسرا في غيبة من يرده عن ذلك.

[5] غزية قبيلة من قبائل العرب والأبيات تبين عن تبعية صاحبها وانقياده لغيره بلا عقل منه.