بقلم الشيخ د. جاسم المهلهل الياسين

التفريغ الداخلي للإنسان المسلم بزعزعة إيمانه، ومحاولة تغيير قناعاته والعمل على هز القيم الإيمانية في نفسه، والعمل على إبعاده عن مصدر النور والهدى والخير والرشاد، تحقيقا لوصايا السياسيين الغربيين، وفي مقدمتهم جلادستون وزير المستعمرات البريطانية (1809-1898م) الذي قال في مجلس النواب البريطاني بعد أن حمل مصحفا في يده: “ما دام هذا القرآن موجودا في يد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، فإما أن نأخذه من يد المسلمين، أن نقطع صلته بهم” ثم تأتي خطوة أخرى بعد ذلك هي زحزحة هذا الإنسان المسلم عما تمسك به ونشأ عليه، بحيث يحاول تقليد غير المسلمين في كثير من عاداتهم وتقاليدهم والسير على أخلاقهم والإيمان بقيمهم في الحياة، هذا كله قتل لروح الإنسان، ليسهل قياده بعد ذلك في دروب الظلام، ويسهل قطعه عن معاني الآخرة وعن العمل من أجل تحقيق أجرها وثوابها، فيصبح همه الدنيا.

والمسلم الذي يفعل ذلك لا يستطيع أن يجاري غير المسلمين في عنايتهم بالدنيا وشؤونها، لما لهم من باع طويل وخبرة تامة ودراية بأحوالها وانقطاع إليها، وعدم التفكير فيما وراءها، وهنا يشعر بأن لغيره عليه الفضل فيخزى، ويستسلم ولا يقاوم منكرا ولا يأمر بمعروف، وتلك جناية يرتكبها المرء في حق نفسه، وترتكبها الأمة في حق نفسها وحق أبنائها، إنه قتل معنوي لروحها حين تترك ما في يدها من النور والهدى، وحين تطفئ مصباح الإيمان أن تحجبه، لتخوض في الظلام والأوحال التي يخوض فيها الآخرون.

وهذا القتل المعنوي لروح الأمة هو ما خطط له غير المسلمين، وهو من أقوى الأسباب الدافعة لخلق حاجز قوي من الحماية والمقاومة يتمثل في الحركة الإسلامية المعاصرة، التي رأت الزحف التدميري الغربي الممتد إلى بلاد الإسلام، بحيث لا يهدد فقط أمنها وسلامها، بل يهدد كيانها ووجودها، فقامت جماعات إسلامية هنا وهناك تحاول أن ترد للفرد اعتباره، وتحاول أن ترد للأمة شخصيتها، وتعمل على إيقاظ العزة فيها والكرامة في أبنائها بتنبيههم إلى ما بين أيديهم من القوة المعنوية (قوة الدين) التي لا يجدها ولا يعرفها أي فريق آخر.

وواجب الحركة الإسلامية إبراز الوجه الصحيح لهذه القوة الدينية في جميع الوجوه، لأن كل ما يشغل الإنسان المسلم من شؤون حياته ومعاده داخل في الإطار الديني الإسلامي، الذي لا يشذ عن حكمه شيء، فالله سبحانه قال: “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء” فلا صحة لمدع أن شيئا من حياة المسلم يدخل في اختصاص قيصر، لأن كل حياته (المسلم) تدخل في اختصاص الله سبحانه: “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت .. (الأنعام: 162-163)

والحركة الإسلامية وقد تبوأت مكانها فوق الأرض، ينبغي عليها أن تعنى كل العناية بركيزتين:

  • الإيمان العميق الذي لا تقوم قوة بدونه، إذ هو أساس كل قوة دافعة إلى الحركة والنشاط والهمة، فبه تتغير النفوس من هزالها إلى قوتها، فيغير الله حالها، ويزيدها تمكينا، فالله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من العجز والوهن والخوف والجبن وغير ذلك من أمراض القلوب، والأبدان التي تصيب الأمم، فتجعلها تشعر بالضعف والخور، فلا تحسن بناء، ولا ترفع قواعد.
  • العلم المادي المتشعب الذي أصبح روح العصر، وغزا جميع الميادين، بحيث لا يخلو منه ميدان في البر أو في البحر أو في الجو لأن “مقام الخلافة لا ينحصر في إقامة شعائر صلاة الجمعة، فكما أن للخلافة قدرة وقوة معنوية، فيجب أن تكون لها القدرة المادية التي تكفل مصالح الأمة المحمدية في أقطار الأرض جميعا” (رجل القدر – ص30 – أورخان محمد علي)

وهل تتحقق مصالح الأمة المحمدية في أقطار الأرض جميعا في ظل التخلف العلمي الطاغي في بلاد المسلمين؟

إن في الأمة قدرات هائلة عقلية وفكرية ومادية، ولكنها مبعثرة مفرقة، غير متكاملة ولا متعاونة، بل إنها قد تتضارب وتتناقض في بعض الأحيان، وعلى الحركة الإسلامية أن تبذل ما تستطيع في سبيل توحيد الجهود وتعاونها وتكاملها، ولو في ميدان واحد من ميادين الحياة المفتوحة على مصراعيها، والتي لا تمنع يد الخير والعطاء حين تمتد إليها، ولو بذلت –بصدق- بعض الجهود المخلصة على المستوى الشعبي في سبيل القضاء –مثلا- على الأمية المتمكنة من كثير من الناس لأمكن بعد بضع سنين حصرها، وتضييق نطاقها في سبيل الخلاص من شرورها في الأمة الإسلامية.

ولو تعاون بعض الصادقين من المسلمين المخلصين في سبيل إيجاد قوة عصرية تحمي أمة الإسلام من أعدائها، وتردعهم عن محاول انتزاع أرضها، وفرض السطوة على مقدراتها لأمكنهم أن يحققوا ما فيه الخير للأمة كلها.

إن الجهود القليلة المجمعة تثمر وتغني، والجهود الكثيرة المبعثرة لا تفيد شيئا يذكر في عالم اليوم الذي تكدست فيه الأسلحة المادية في يد غير المسلمين الذين لا يكفون أيديهم عن أن تصنع كل ما يغيظ المسلمين.

فهل نصنع بعض ما يأمر به الدين لصيانة كرامة المسلمين؟