مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن أمة الإسلام أمةٌ عزيزةٌ، لا ترضَى بالدونِ منَ العيشِ، ولا تسيرُ خلفَ أي ركبٍ، إنهَا أمةٌ تؤمنُ بِربهَا عزَ وجلَ، وبنبيِهَا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ، لهَا دينُهَا ودستورُهَا، وعندَها تاريخُهَا وحضَاَرتُهَا، ترسمُ مستقبلَهَا، وهيَ على بصيرةٍ منْ ماضِيهَا، تستنبتُ شطْأَهَا منْ تُربةِ الإيمانِ والتوحيدِ واليقينِ والفضيلةِ والإصلاحِ “محمدٌ رسولُ اللهِ والذينَ معهُ أشداءُ علىَ الكفارِ رحماءُ بينَهمْ تراهُمْ ركعاً سجداً يبتغونَ فضلاً منَ اللهِ ورضوانَا…”
إنَ العقائدَ الحقةَ هيَ التِي تُولدُ العجائبَ، وإنَ العقائدَ الحقةَ لا توجدُ فيهَا نوازعُ الأهواءِ، إنَ العقائدَ الحقةَ هيَ التِي تنيرُ العقولَ بالحُجةِ، وتُهذبُ النفوسَ بالحكمةِ، كمْ أخرجتْ مدارسُهَا منْ القوّامينَ علَى هدايةِ الإسلامِ منْ رجالٍ يُلاقونَ الصعابَ فيجتَازُونَها ويبارونَ الريحَ فيسبقونَها، ويخفضونَ أجنحتَهمْ للمستضعفينَ تواضعاً، ويرفعونَ رؤوسَهمْ علَى المتكبرينَ اعتزازاً، تعترضُهمْ الأخطارُ فيخوضونَ غمارَهَا وتعتلُ عقولٌ وقلوبٌ، فيصفونَ الدواءَ لموضعِ عللِهَا، عدلٌ كلُهمْ، وقسطاسٌ مستقيمٌ فعلُهمْ، وسخاؤُهمْ هوَ الغيثُ النافعُ العميمُ.
إنَّ القدوةَ وسيلةٌ تربويةٌ مؤثرةٌ في عالمِ البشرِ، إنْ خيراً أو شراً، ولذلكَ قالَ اللهُ سبحانَهُ لنبيِه صلى الله عليه وسلم بعدما ذكر الأنبياء قبله: “أولئِكَ الذينَ هَدَى اللهُ، فبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه“ (الأنعام: 90).
ثم كانَ الخطابُ لمحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ولأمتِهِ بالاقتداءِ بأبيِ الأنبياءِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ “قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ في إبراهيمَ والذَّينَ مَعَهُ إذ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنا بُرآءُ منكُمْ وممَّا تعبُدُون من دونِ اللهِ ..” والقدوةُ كما تكونُ في الخيرِ تكونُ كذلكَ في الشرِ، قال اللهُ تعالَى: “وكذلِكَ ما أرسَلْنَا من قبلِكَ في قَرْيةٍ منْ نَذِير إلا قالَ مُتْرَفُوها إنَّا وجدْنَا آباءَنَا على أُمَّةٍ وإنَّا على آثارِهِم مُقتَدُونَ” (الزخرف: 23).
ووجودُ الندواتِ في المجتمعِ منْ أجل وأعظمِ الأسبابِ في الاستمرارِ وشحذِ الهممِ وإزالةِ الهمِ والغمِ، ولذلكَ كانَ الخطابُ القرآنيُ للأمةِ في أشدِ أيامِهَا في غزوةِ الأحزابِ حيثُ بلغتِ القلوبُ الحناجرَ، كانَ الخطابُ المثبتُ للأمةِ وهو يعرضُ هذهِ القصةِ: “لقدِ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو الله واليَوْمَ الآَخِرَ وذكَرَ اللهَ كثيراً“، وهذهِ حقيقةٌ بشريةٌ مُطردةٌ، فابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ يقولُ: إذَا اشتدَ بنَا الأمرُ ذهبْنَا إلى سجنِ القلعةِ فرأيْنَا الإمامَ ابنَ تيميةَ في ثباتِه وقوةِ حجتِهِ فرجعْنَا وقدْ زالَ ما بنَا من همٍ. ولصدقِ هذه الحقيقةِ قالُوا: الناسُ على دينِ ملوكهمْ.
وبعدَ هذهِ التوطئةِ عنْ أثرِ القدوةِ في صناعةِ المجتمعِ يأتِي الحديثُ عنِ الرجالِ الذينَ همْ قدواتُ المجتمعاتِ، فالرجولةُ معيارٌ قرآنيُ، ومقياسٌ عرفيٌ بينَ الناسِ وما منْ مجتمعٍ إلا وينشدُ الرجالَ، قالَ اللهُ تعالَى: “وجاءَ مِنْ أقصَى المدينةِ رجلٌ يسعَى” وعندَما قيلَ لعمرَ تمنَى، قالَ: أتمنَى مِلءَ هذهِ الغرفةِ رجالاً كأبِي عبيدةَ، وعدةُ الأممِ همُ الرجالُ، فأينَ رجالُ الأمةِ؟؟ وعندَ حديثِنا عنِ الرجالِ والقدوةِ نجدُ أنفسنَا ملزمينَ أنْ نتحدثَ عنِ الكبارِ في هذهِ الأمةِ، ومَنْ كرسولِ اللهُ صلى اللهُ عليه وسلمَ وهوَ القائلُ: “أنَا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ“؟ وهنَا نستحِى أنْ نختارَ مواقفَ معينةٍ من حياتهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، فهوَ صلى اللهُ عليه وسلمَ في كلِ نَفَسٍ وحركةٍ من حياتِه لنَا فيهَا قدوةٌ، والذِي يختلفُ هوَ الحكمُ الشرعيُ بينَ الركنِ والواجبِ والمندوبِ والعاداتِ، وكبارُ الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهمْ كانُوا يتتبعونَ الهدى النبويَ الكريمَ في كلِ شيءٍ، فهذَا ابنُ عمرَ في حجِهِ دفعَهُ الإقتداءُ إلَى أنْ يقفَ في دفعِهِ من عرفاتِ في المواقفِ البشريةِ له صلَى اللهُ عليه وسلمَ فيقولُ: هنَا وقفَ صلَى اللهُ عليه وسلمَ وبالَ!! وهذَا نموذجٌ متكررٌ في مواطنَ كثيرةٍ، ولهذَا الأمرِ سنتحدثُ عنْ مجملِ ما ذكرتْهُ أمُ المؤمنينَ عائشةُ رضيَ الله عنهَا وعن أبِيها في وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم: “كانَ خلقُهُ القرآنَ” نعم لو تخلقتِ الأمةُ بخلقِ القرآنِ لسادتْ الأممُ ولخرجتْ منَ الضياعِ التِي هيَ فيهِ.
وهنَا سنختارُ رجالاً بعدَ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، ونماذجَ منَ المواقفِ التربويةِ لهمْ، ونحنُ عندَما نريدُ أنْ نذكرَ الأسماءَ سنجدُ أنفسَنَا ملزمينَ بذكرِ العشرةِ المبشرينَ بالجنةِ، وبعضِ أمهاتِ المؤمنينَ والبعضِ منْ آلِ بيتِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، ونماذجَ منْ عامةِ الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهمْ، ولنْ نخرجَ عنْ ذلكَ في حديثِنَا لأنَ هؤلاءِ ماتَ عنهمُ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ وهوَ عنهمْ راضٍ، ولضيقِ الوقتِ الذِي نتحدثُ فيهِ سأقتصرُ علَى عددٍ قليلٍ منهمْ رضوانُ اللهِ عليهمْ، وإلا فأمةُ الإسلامِ منْ أكثرِ الأممِ التِي برزَ وظهرَ فيهَا الرجالُ في المجتمعاتِ!! وما أذكرهُ هنَا إنما أخذْنا أصلهُ منْ تاريخِ الخلفاءِ للإمامِ السيوطِي، وكذلكَ منْ سِير أعلامِ النبلاءِ ووضعنا عناوينَ جانبيةٍ فيها ومضاتٌ منْ غيرِ شرحٍ وإسهابٍ، والله نسألُ التوفيقَ والسدادَ.
أولاً: أبُو بكرٍ الصديقُ:
“خليفةُ رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلمَ (عبدُاللهِ بنُ أبِي قحافةَ) يلتقِي معَ النبيِ “صلى اللهُ عليه وسلمَ” في مُرةَ
1- التمييزُ بينَ الأصحابِ:
أخرجَ البزارُ عنْ أبِي بكر الصديقِ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: جئتُ بأبِي قُحافةَ إلَى النبيِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ، فقالَ: “هَلا تركتَ الشيخَ حتَى آتيَهُ، قالَ: بلْ هوَ أحقُ أنْ يأتيَكَ، قالَ: إنَا نحفظُهُ لأيادِي ابنِه عندَنَا”.
وأخرجَ الشيخانِ عنْ أبِي سعيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: “إنَ منْ أمَنِّ الناسِ عليَّ فِي صحبتِهِ ومالِهِ أبَا بكرٍ، ولوْ كنتُ متخذاً خليلاً غيرَ ربِي لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكنْ أخوةُ الإسلامِ”.
2- منْ قدّمَ وأعطَى في وقتِ الشدةِ والمغرمِ رفعَهُ اللهُ في وقتِ الرخاءِ والمغنمِ:
وفي حديثِ ابن زمعةَ رضيَ اللهُ عنه “أنَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أمرهُمْ بالصلاةِ، وكانَ أبو بكرٍ غائباً، فتقدمَ عمرُ فصلَى، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: لا، لا، لا، يأبَى اللهُ والمسلمونَ إلا أبَا بكرٍ، يصلِي بالناسِ أبُو بكرٍ”
وفي حديثِ ابنِ عمرَ “كبرَ عمرُ فسمعَ رسولُ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ تكبيرَهُ فَأطلعَ رأسَهُ مُغْضَباً فقالَ: أينَ ابنُ أبِي قحافةَ؟”
قالَ العلماءُ: في هذَا الحديثِ أوضحُ دلالةٍ علَى أنَ الصديقَ أفضلُ الصحابةِ على الإطلاقِ، وأحقُهمْ بالخلافةِ، وأولاهُمْ بالإمامةِ، قالَ الأشعريُ: قدْ عُلِمَ بالضرورةِ ذلك.
3- السبقُ في عملِ الخيرِ:
وأخرجَ ابنُ عساكرِ عنْ أبِي صالحٍ الغفاريِ: “أنَ عمرَ بنَ الخطابِ “كانَ يتعهدُ عجوزاً كبيرةً عمياءَ في بعضِ حواشِي المدينةِ منَ الليلِ، فيسقِي لهَا، ويقومُ بأمرِهَا، فكانَ إذَا جاءَهَا وجدَ غيرَهُ قدْ سبقهُ إليهَا فأصلحَ ما أرادتْ، فجاءَهَا غيرَ مرةٍ كي لا يسبقَ إليهَا، فرصدَهُ عمرُ، فإذَا هوَ بأبِي بكرٍ الذِي يأتِيَها -وهوَ يومئذٍ خليفةُ- فقالَ عمرُ: أنتَ هوَ لَعَمْرِي”.
4- الحوارُ والاعتراضُ مفتوحٌ حتَى في وقتِ الشدةِ:
وأخرجَ ابنُ عساكرَ عن يَسَارِ بنِ حمزةَ، قالَ: لمَا ثقُلَ أبُو بكرٍ أشرفَ علَى الناسِ منْ كُوَّةٍ، فقالَ: أيهَا الناسُ، إنِي قدْ عهدتُ عهدا، أفترضَوْنَ بهِ؟ فقالَ الناسُ: رضينَا يا خليفةَ رسولِ اللهِ، فقامَ عليٌ، فقالَ: لا نرضَى إلا أنْ يكونَ عمرُ، قالَ: فإنهُ عمرُ.
5- عدمُ التسرعِ في الفتوى والخوفُ منَ التوقيعِ عنْ ربِ العالمينَ:
وأخرجَ أبُو عبيدةَ عنْ إبراهيمَ التيميِّ قالَ: سُئِلَ أبُو بكرٍ عنْ قولهِ تعالَى: “وفاكهةً وأباً“؟ فقالَ: أيُ سماءٍ تُظِلُّنِي، وأيُ أرضٍ تُقِلِّنِي، إنْ قلتُ في كتابِ اللهِ ما لا أعلمُ.
6- الاستحياءُ صفةٌ لحَمَلَةِ الرسالةِ:
وأخرجَ ابنُ أبِي شيبةَ في مصنفِهِ عنِ الزبيرِ أنَ أبَا بكرٍ قالَ وهوَ يخطبُ الناسَ: يا معشرَ الناسِ، استحيُوا منَ اللهِ، فوالذِي نفسِي بيدِه إنيِ لأظلُ حينَ أذهبُ إلَى الغائطِ في الفضاءِ مغطياً رأسِي استحياءً منَ اللهِ.
7- الورعُ صفةُ الكبارِ والقادةِ:
وأخرجَ البخاريُ عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهَا قالتْ: كانَ لأبِي بكرٍ غلامٌ يُخْرِجُ لهُ الخراجَ، وكانَ أبُو بكرٍ يأكلُ منْ خَراجِهِ، فجاءَ يوماً بشيءٍ، فأكلَ منهُ أبُو بكرٍ، فقالَ لهُ الغلامِ: تدرِي ما هذَا؟ قالَ أبُو بكرٍ: ما هوَ؟ قالَ: كنتُ تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ -وما أُحْسِنُ الكهانةَ- إلا أنِي خدعتُهُ فلقينِي، فأعطانِي هذَا الذِي أكَلْتَ منهُ، فأدخلَ أبُو بكرٍ يدَهُ، فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِهِ.
وأخرجَ أحمدُ في الزهدِ عنِ ابنِ سيرينَ قالَ: لمْ أعلمْ أحداً استقاءَ منْ طعامٍ أكلَهُ غيرَ أبِي بكرٍ، وذكرَ القصةَ.
ثانياً: عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ
أحدُ السابقينَ الأولينَ، وأحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ، وأحدُ الخلفاءِ الراشدينَ، وأحدُ أصهارِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وأحدُ كبارِ علماءِ الصحابةِ وزهادِهمْ.
1- الداعيةُ القويُ عزٌ لدعوتِهِ وإخوانِهِ وحصنٌ ضدَ الفتنِ:
أخرجَ البزار عنْ قُدَامةَ بنِ مظعونٍ، عنْ عمِه عثمانَ بنِ مظعونٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: “هذَا غَلَقُ الفتنةِ، وأشارَ بيدِهِ إلَى عمرَ، لا يزالُ بينكمْ وبينَ الفتنةِ بابٌ شديدُ الغَلقِ ما عاشَ هذَا بينَ أظهُرِكُمْ”.
2- يختصُ اللهُ منْ عبادهِ منْ يشاءُ فكنْ منهمْ:
وأخرجَ الطبرانيُ في الأوسطِ عنْ أبِي سعيدٍ الخدريِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: “مَنْ أبغضَ عمرَ فقدْ أبغضنِي، ومنْ أحبَّ عمرَ فقدْ أحبنِي، وإنَ اللهَ باهَى بالناسِ عشيةَ عرفةَ عامةً وباهَى بعمرَ خاصةً، وإنهُ لم يبعثِ اللهُ نبياً إلا كانَ في أمتِهِ مُحَدَّثٌ، وإنْ يكنْ في أمتِي منهمْ أحدٌ فهوَ عمرُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ كيفَ محدثٌ؟ قالَ: تتكلمُ الملائكةُ علَى لسانِهِ” إسنادهُ حسنٌ.
3- الصادقونَ يواليهَمُ الطيبونَ:
قالَ جعفرُ الصادقُ: “أنَا بريءٌ ممنْ ذكرَ أبَا بكرٍ وعمرَ إلا بخيرٍ” أقولُ: وأنَا كذلكَ .. أنتمْ شهداءُ اللهِ في أرضِهِ.
4- تلاقِي الأرواحِ سبيلٌ لتلاقِي الأجسادِ:
عنِ ابنِ عمرَ قالَ: كانَ عمرُ بنُ الخطابِ يخطبُ يومَ الجمعةِ فعرضَ في خُطبتِهِ أنْ قالَ: يا ساريةُ الجبلَ منْ استرعَى الذئبَ ظلمْ.
فالتفتَ الناسُ بعضُهمْ لبعضٍ، فقالَ لهمْ عليٌ: ليخرجَنَّ مما قالَ، فلمَّا فرغَ سألوهُ فقالَ: وقعَ في خَلَدِي أنَ المشركينَ هزمُوا إخوانَنَا، وأنهمْ يمرونَ بجبلٍ، فإنْ عدلُوا إليهِ قاتلُوا منْ وجهٍ واحدٍ وإنْ جاوزوا هلكُوا، فخرجَ منِي ما تزعمونَ أنَكمْ سمعتمُوه، قالَ: فجاءَ البشيرُ بعدَ شهرٍ فذكرَ أنهمْ سمعُوا صوتَ عمرَ في ذلكَ اليومِ، قالَ: فعدلنَا إلَى الجبلِ ففتحَ اللهُ علينَا.
ثالثاً: عثمانُ بنُ عفانَ:
ثالثُ الخلفاءِ هاجرَ الهجرتينِ إلى الحبشةِ والمدينةِ، وسُمِّي ذَا النورينِ لأنهُ تزوجَ ابنتَيِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: رقيةَ وأمَ كلثومٍ.
1- الفقهُ والطهارةُ جمالٌ للمرأةِ والرجلِ:
أخرجَ الشيخانِ عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أنَ النبيَ صلى اللهُ عليه وسلمَ جمعَ ثيابَهُ حينَ دخلَ عثمانُ وقالَ: “ألا أستحِي منْ رجلٍ تستحِي منهُ الملائكةُ؟”
وأخرجَ ابنُ عساكرَ عنْ زيدِ بنِ ثابتٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: “مرَ بِي عثمانُ وعندِي ملكُ منَ الملائكةِ فقالَ: شهيدٌ يقتلُهُ قومُهُ، إنَا نستحِي منهُ”.
2- عندَ الحشرجةِ يتذكرُ الإنسانُ الأعمالَ الصالحةَ، فأكثرُوا منهَا واسألُوا اللهَ التوفيقَ.
وأخرجَ ابنُ عساكرَ عنْ أبِي ثورٍ الفهمِي قالَ: دخلتُ علَى عثْمانَ -وهو محصورٌ- فقالَ: لقدِ اختبأتُ عندَ ربِي عَشْراً، إنِي لرابعُ أربعةِ في الإسلامِ، (وجهزتُ جيشَ العسرِة)، وأنكحنِي رسولُ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ ابنتَهُ، ثمَ تُوفِيتْ فأنكحنِي ابنتَهُ الأخرَى، وما تغنيتُ، ولا تمنيتُ، ولا وضعتُ يمينِي علَى فرجِي منذُ بايعتُ بهَا رسولَ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ، ومَا مرَّتْ بِي جمعةٌ منذُ أسلمتُ إلا وأنَا أعتقُ فيهَا رقبةً إلا ألا يكونَ عندِي شيءٌ فأعتقُهَا بعدَ ذلكَ، ولا زنيتُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ قطُ، ولا سرقتُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، ولقدْ جمعتُ القرآنَ علَى عهدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهَ وسلمَ”
3- الرأفةُ بالخدمِ:
وأخرجَ عنْ عبدِالله الروميِ قالَ: كانَ عثمانُ يلِي وضوءَ الليلِ بنفسهِ، فقيلَ لهُ: لو أمرتَ بعضَ الخدمِ فكفَوْكَ، قالَ: لا، الليلُ لهمْ يستريحونَ فيهِ.
4- اللهُ يدافعُ عنِ الذينَ آمنُوا:
وأخرجَ أبُو نعيمٍ في الدلائلِ عنِ ابنِ عمرَ أنَ جهجاهً الغفاريَ قامَ إلَى عثمانَ وهوَ (على المنبرِ) يخطبُ، فأخذَ العصَا منْ يدهِ فكسرَهَا علَى ركبتِهِ، فمَا حالَ الحولُ (علَى جهجاهٍ) حتَى أرسلَ اللهُ في رجلِهِ الأكَلَةَ فماتَ منهَا.
رابعاً: عليُ بنُ أبِي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ:
أحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ، وأخُو رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بالمؤاخاةِ، وصهرُه على فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمينَ، وأحدُ العلماءِ الربانيينَ…
قالَ الإمامُ أحمدُ: ما وردَ لأحدٍ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ منَ الفضائلِ ما وردَ لعليٍ رضيَ اللهُ عنه.
1- بركةُ دعاءِ الخيرينَ:
وأخرجَ الحاكمُ وصححَه عنْ عليٍ قالَ: “بعثنِي رسولُ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وآله وسلمَ إلَى اليمنِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، بعثتنِي وأنَا شابٌ أقضِي بينهمْ، ولا أدرِي ما القضاءُ، فضربَ صدرِي بيدهِ ثمَ قالَ: اللهمَّ أهْدِ قلبَهُ، ثبتْ لسانَهُ، فوالذِي فلقَ الحبةَ ما شككتُ في قضاءٍ بينَ اثنينِ”.
2- هكذَا منْ نالَ منْ آلِ بيتِ البنيِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ والصالحينَ:
عنِ الأعمشِ، قالَ: تغوَّطَ رجلٌ منْ بنِي أسدٍ علَى قبرِ الحُسينِ، فأصابَ أهلَ ذلكَ البيتِ خَبَلٌ، وجُنون، وبرص، وفقر، وجذام.
وهكذَا لحومُ العلماءِ مسمومةٌ وعادةُ اللهِ في انتهاكِ مُنتقصِيهم معلومةٌ.
خامساً: أبُو عبيدةَ بنُ الجراحِ
يجتمعُ في النسبِ هوَ والنبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ في فِهرٍ، شهدَ لهُ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ بالجنةِ وسمَّاهُ أمينَ الأمةِ.
1- يفدونَ النبيَ صلى الله عليه وسلم بأرواحِهمْ:
وقدْ شهدَ أبو عبيدةَ بدراً فقتلَ يومئذٍ أباهُ، وأبلَى يومَ أُحُدٍ بلاءً حسناً، ونزعَ يومئذٍ الحلقتينِ اللَّتينِ دخلتَا منَ المِغْفَرِ في وَجْنَةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ منْ ضربةٍ أصابتْهُ فانقلعتْ ثَنِيَّتاهُ، فحسُنَ ثغرُهُ بذهابِهمَا حتَى قيلَ: ما رُؤِيَ هَتْمٌ أحسنُ منْ هَتْمِ أبي عُبيدَة.
والنبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يُقدمُ منْ سبقَ بالجهادِ والفداءِ.
عنْ عمرو بنِ العاصِ قالَ: قيلَ يا رسولَ اللهِ: أَيُّ الناسِ أَحبُّ إليكَ؟ قالَ: عائشةُ، قيلَ مِنَ الرِّجالِ؟ قالَ: أبُو بكرٍ، قيلَ ثمَّ منْ؟ قالَ: ثمَّ أبُو عبيدةَ بن الجراحِ.
2- الخوفُ منَ المثولِ بينَ يديِ اللهِ يومَ القيامةِ:
عنْ قتادةَ قالَ: قالَ أبُو عبيدةَ بنُ الجراحِ، وَدِدْتُ أَني كنتُ كَبشاً، فيذبحنَي أهلِي فيأكلونَ لحمِي، ويَحْسَون مَرَقِي.
سادساً: طلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ
أحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ.
صاحبُ العذرِ لا يخسرُ سهمَهُ في أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.
كانَ ممنْ سبقَ إلَى الإسلامِ، وأوذيَ في اللهِ، ثمَ هاجرَ، فاتفقَ أنهُ غابَ عنْ وقعةِ بدرٍ في تجارةٍ لهُ بالشامِ، وتألَّمَ لغيبتِهِ، فضربَ لهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ بسهمِهِ وأجرِه.
سابعاً: الزبيرُ بنُ العوامِ
حواريُّ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وابنُ عمتِه صفيةََ بنتِ عبدالمطلبِ وأحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ.
الخلافُ بينَ الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهمْ لمْ يؤثرْ علَى إخوتِهم ومحبتهم:
عنْ أبي نَضرةَ قالَ: جيءَ برأسِ الزُّبيرِ إلَى عليٍ فقالَ عليٌّ: تبوّأ يا أعرابيُّ مقعدَكَ منَ النارِ، حدثنِي رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: أنَ قاتِلَ الزُّبيرِ في النارِ.
ثامناً: عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ:
أحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ، كانَ اسمُه عبدُالكعبةِ، فسَّماهُ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمِ عبدَالرحمنِ.
1- الأوسمةُ الحقيقيةُ تشهدُ لصاحبِهَا يومَ القيامةِ:
عنِ ابنِ إسحاقَ قالَ: كانَ ساقطَ الثنيتين، أهتَمَ، أعسرَ، أعرجَ، كانَ أصيبَ يومَ أحدٍ فهُتِمَ، وجُرحَ عشرينَ جراحةً، بعضُهَا في رجلِه، فعرجَ.
2- الجدُ في العملِ وعدمُ الاتكالِ علَى الآخرينَ:
ولمَا هاجرَ إلَى المدينةِ فقيرا لا شيءَ لهُ، آخَى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بينَه وبينَ سعدِ بنِ الربيعِ أَحدِ النُّقباءِ، فَعَرَضَ عليهِ أن يُشاطِرَهُ نعمتَهُ، وأنْ يطلِّقَ لهُ أحسنَ زوجتَيه، فقالَ لهُ: باركَ اللهُ لَكَ في أهلِكَ ومالِكَ، ولكنْ دُلَّنِي علَى السوقِ، فذهبَ فباعَ واشترَى، وربحَ، ثمَ لمْ ينشبْ أنْ صارَ معهُ دراهمَ، فتزوَّجَ امرأةً على زِنَةِ نواةٍ منْ ذهبٍ، فقالَ لهُ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: “أولِمْ ولوْ بشاةٍ” ثمَ آلَ أمرُه في التجارةِ إلَى ما آلَ.
فصاحبُ المالُ حرٌ في تفكيرِهِ ورأيهِ لا يتحكمُ فيهِ إلا الحقُ الذِي يعتقدُهُ ومنْ هنَا كانتْ مهمةُ الوقفِ في العملِ الإسلاميِ.
تاسعاً: سعدُ بنُ أبِي وقاص:
أحدُ العشرةِ المبشرينَ بالجنةِ، وأحدُ منْ شهدَ بدراً والحديبيةَ، وأحدُ الستةِ أهلِ الشورَى.
1- السبقُ في الإسلامِ والدعوةُ يرفعُ المكانةَ عندَ القادةِ والكبارِ:
عنْ قيسٍ قالَ: قالَ سعدٌ: ما جَمَعَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، أبويِهِ لأحدٍ قبلِي. ولقدْ رأيتُه ليقُولُ لي: يا سعدُ ارمِ فداكَ أبِي وأمِي! وإنِي لأولُ المسلمينَ رمَى المشركينَ بسهمٍ. ولقدْ رأيتنِي معَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، سابعَ سبعةٍ ما لنَا طعامٌ إلا ورَقُ السَّمُرِ، حتَى إنَ أحدَنَا لَيَضَعُ كما تضعُ الشاءُ.
2- الخيرُ يسوقهُ اللهُ لمنْ يُحبُ:
عنْ عائشةَ قالتْ: أَرِقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ذاتَ ليلةٍ، فقالَ: ليتَ رجلاً صالحاً من أصحابِي يحرسنِي الليلةَ. قالتْ: فسمعنَا صوتَ السلاحِ، فقالَ رسولُ اللهِ: مَنْ هذا؟ قالَ سعدُ بنُ أَبي وقاصٍ: أنَا يا رسولَ اللهِ جئتُ أحرسُكَ. فنامَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ حتَى سمعتُ غطيطَهُ.
3- الصلابةُ في الدينِ:
عنْ أبِي عثمانَ أَنَّ سعداً قالَ: نزلتْ هذه الآيةُ فيَّ “وإنْ جَاهَدَاك عَلَى أَن تُشرِكَ بي مَا ليسَ لَكَ بهِ علمٌ فلا تُطعْهمَا” (العنكبوت: 8) قالَ: كنتُ بَرَّاً بأمي، فلمَا أسلمتُ، قالتْ: يا سعدُ! ما هذَا الدينُ الذِي قدْ أَحدثتَ؟ لَتَدعنَّ دينَكَ هذَا، أو لا آكُلُ، ولا أَشرَبُ حتَى أَموتَ، فتُعَيَّرَ بِي، فيقالُ: يا قاتلَ أمِّهِ. قلتُ: لا تفعلِي يا أمَّهْ، إنِي لا أدعُ دينِي هذَا لشيءٍ، فمكثتْ يوماً لا تأكلُ ولا تشربُ وليلةً، وأصبحتْ وقدْ جُهدَتْ، فلمَا رأيتُ ذلكَ، قلتُ: يا أمَّهْ! تعلمينَ واللهِ لوْ كانَ لكِ مئةُ نَفْسٍ، فخرجَتْ نَفْساً نَفْساً، ما تركتُ دِينِي. إنْ شئتِ فكلِي أو لا تأكلِي. فلمَّا رأتْ ذلكَ، أكلتْ.
4- هنيئاً لكَ يا سعدُ:
عنْ قيسٍ أخبرنِي سعدٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: “اللَّهمَّ استَجِبْ لِسَعْدٍ إذَا دَعَاكَ”.
5- نهايةُ التعرضِ للصالحينَ:
عنِ ابنِ المسيبِ أَنَّ رجلاً كانَ يقعُ في عليّ وطلحةَ والزبيرِ، فجعلَ سعدٌ ينهاهُ ويقولُ: لا تقعْ فِي إخوانِي، فأبَى، فقامَ سعدٌ، وصلَّى ركعتينِ ودعَا، فجاءَ بُختيّ (1) يشقُّ الناسَ فأخذَه بالبلاطِ، فوضعَهُ بين كِركِرتِهِ (2) والبلاطِ حتَى سحقَهُ، فأنَا رأيتُ الناسَ يتبعونَ سعداً ويقولونَ: هنيئاً لكَ يا أبا إسحاقَ أستُجيبتْ دعوتُكَ.
قلتُ: في هذهِ كرامةٌ مشتركةٌ بينَ الداعِي والذينَ نِيلَ منهمْ.
_______________________________________________
(1) البُختى: الإبل المهجنة
(2) الكركرة: زور البعير
عاشراً: سعيدُ بنُ زيدٍ
أحدُ العشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ، منَ السابقينَ الأولينَ البدريينَ.
1- اتقاءُ حديثُ الحاقدينَ:
لمْ يكنْ سعيدُ متأخراً عنْ رتبةِ أهلِ الشورَى في السابقةِ والجلالةِ، وإنما تركهُ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ لئلا يبقَى لهَ فيهِ شائبة خط لأنه ابن عمه!
فهذا ما تيسر من مواقف عن سيرة العشرة، وهم أفضل قريش وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين، وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة، فأبعد الله من أبغضهم، ولكن الهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذه نماذج عن آل النبي صلى الله عليه وسلم:
أولا: الحسن بن علي بن أبي طالب:
الإمام السيد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة.
1- الفأل الحسن بالاسم الحسن: فأين الحسن والجمال من الحرب والدمار.
عن علي، قال: لما ولد الحسن، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أروني ابني، ما سميتموه؟” قلت: حرب. قال: “بل هو حسن..وذكر الحديث”.
2- هنيئا لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأحبه النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: “اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه”.
3- احرص أخي على دعاء الصالحين:
عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل حسنا وحسينا وفاطمة بكساء ثم قال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
“لا تنسنا من دعائك يا أخي”
4- هل تستفيد من هذه الحكم:
عن معاوية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أو شفته يعني الحسن، وإنه لن يُعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن الحرمازي: خطب الحسن بن علي بالكوفة، فقال: إن الحلم زينة، والوقار مروءة، والعجلة سفه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة الفُساق ريبة.
ثانيا: الحسين الشهيد
سِبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا:
1- النيل من العظماء دمار في الدنيا والأخرى:
عن الأعمش قال: تغوط رجل من بني أسد على قبر الحسين فأصاب أهل ذلك البيت. خبل وجنون وبرص وفقر وجذام.
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من النساء
أولا: خديجة أم المؤمنين
سيدة نساء العالمين في زمانها، أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1- الوفاء لمن كان له الأثر الكبير في مسيرة الحركة:
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنها كانت نعم القرين. وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها.
ثانيا: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجهة المصطفوية، أم أبيها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها الإمام علي بن أبي طالب سنة اثنتين بعد وقعة بدر.
1- الحب الصادق:
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنت عليه، وبكته، وقالت: يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه: يا أبتاه! أجاب ربا دعاه! يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه!
ثم قالت بعد دفنه: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- دعوة مستجابة:
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء، وقال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا”.
ثالثا: عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين:
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه، وهي التي زوجها الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
1- مداعبة الأزواج لبقاء الألفة بين الأحباب:
قالت عائشة رضي الله عنها: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ما شاء، حتى إذا رهقني اللحم سابقني، فسبقني، فقال: عائشةُ، هذه بتلك.
نماذج من عامة الصحابة رضوان الله عليهم
أولا: عثمان بن مظعون:
من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين، أبو السائب أول من دُفن بالبقيع وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
1- حب الأصحاب ورفقاء الدرب:
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون
ثانيا: سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه:
من السابقين الأولين البدريين المقربين:
1- سعادة القائد عند رؤيته إخوانه المتميزين:
عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ما حبسك؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن، فأخذ رداءه، وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: “الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك”.
2- الثبات يتذكره القادة والكبار في وقت الشدة:
وجاء من رواية الواقدي أن محمد بن ثابت بن قيس قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل.
ثالثا: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:
السيد الشهيد الكبير الشأن علم المجاهدين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أسن من أخيه علي بعشر سنين.
1- رؤية الجنة تخفف من شدة المصاب:
يا حبـذا الجنة واقترابها طيبة وباردا شرابهــا.
والروم روم قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها.
2- المسلم لا يفر من المعركة:
عن ابن عمر قال: فقدنا جعفرا يوم مؤتة، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين، وجدنا ذلك فيما أقبل، وذلك لأن المسلم لا يفر من جسده.
3- من جاهد في الدنيا أكرمه الله في الآخرة:
عن عائشة قالت: لما جاءت وفاة جعفر، عرفنا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم الحزن.
عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة، مضرجة قوادمه بالدماء، يطير في الجنة”.
4- من لا يحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟
عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لجعفر: “أشبه خَلقك خَلقي وأشبه خُلقك خُلقي، فأنت مني ومن شجرتي”.
قال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلم على عبدالله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
5- المكرمة صفات الرجال الكبار:
عن أبي هريرة قال: كنا نسمي جعفرا أبا المساكين. كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا، أخرج إلينا عُكة أثرُها عسل، فنشقها ونلعقها.
رابعا: البراء بن مالك رضي الله عنه:
البطل الكرار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك.
1- من حافظ على دينه في الدنيا سَلِم وقت الحشرجة:
قال أبو إسحاق السبيعي: لما احتُضِر أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، قال: لا تبكوا علي، فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت.
خامسا: زيد بن حارثة:
حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حبه، وهي المسمى في سورة الأحزاب.
1- أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فأحبهم فحبهم أهل السماء:
عن ابن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دخلت الجنة، فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة”.
سادسا: أبو دجانة الأنصاري رضي الله عنه:
كان ممن ثبت في أحد، وكان عليه عصابة حمراء.
1- أخلاق عالية تنفع صاحبها يوم الحشرجة:
قال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.
سابعا: خبَيب بن عدي رضي الله عنه:
كان محمد شهد أحدا، وممن أسر بالرجيع من الغادرين من بني لحيان، وكان معه زيد بن الدثِنة حين باعوهم لأهل مكة ليقتلوهم بقتلى بدر من المشركين، وبعد قتلهما صلبوهما بالتنعيم.
1- ربي الذي يطعمني ويسقيني:
وعن ماوية مولاة حُجير، وكان خبيب حُبس في بيتها، فكانت تُحدث بعد ما أسلمت، قالت: والله إنه لمحبوس إذ اطلعت من صير الباب إليه، وفي يده قِطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في الأرض حبة عنب.
ثامنا: عمر بن الجموح رضي الله عنه:
والد معاذ ومعوذ سيد بني سلمة، أسلم على يد مصعب بن عمير.
1- من لا يريد هذه الخاتمة؟
عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح، وابن حرام كان السيل قد خرب قبرهما، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنما ماتا بالأمس. وكان أحدهما قد جرح، فوضع يده على جرحه، فدفن كذلك. فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت، فرجعت كما كانت. وكان بين يوم أحد ويوم حُفِر عنهما ست وأربعون سنة.
تاسعا: سعد بن الربيع رضي الله عنه:
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبدالرحمن بن عوف، وكان أحد النقباء ليلة العقبة.
1- الحب الصادق:
قال رجل من الأنصار لسعد في يوم أحد: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقل: إن سعدا يقول: جزاك الله عني خير ما جزي نبيا عن أمته، وأبلغ قومك مني السلام، وقل لهم: إن سعدا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف.
عاشرا: بلال بن رباح رضي الله عنه:
مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة “إني لأسمع خفق نعليك في الجنة”.
1- الصلاة طريق إلى الجنة:
عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الصبح: “حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة” قال: ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهرا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي.
حادي عشر: خالد بن الوليد رضي الله عنه:
سيف الله تعالى ابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
1- السلام يعشق الجهاد:
عن ابن أبي خالد، مولى لآل خالد بن الوليد، أن خالدا قال: ما من ليلة يُهدى إلي فيها عروس أنا لها مُحب، أحب إلي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية أُصبح فيها العدو.
ثاني عشر: أُبي بن كعب رضي الله عنه:
سيد القراء، المدني البدري، شهد العقبة، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
1- رفعة الله لأهل العلم
قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: “إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن”، وفي لفظ: “أمرني أن أُقرئك القرآن”.
قال: الله سماني لك؟ قال: “نعم” قال: وذُكرت عند رب العالمين؟ قال: “نعم”، فذرفت عيناه، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أُبيا عن أي آية في القرآن أعظم، فقال أُبي “الله لا إله إلا هو الحي القيوم” (البقرة 255) ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: “ليهنك العلم أبا المنذر”.
ثالث عشر: عمار بن ياسر:
الإمام الكبير أبو اليقظان، مولى بني مخزوم، ومن الأعيان البدريين، وأمه سمية من كبار الصحابيات وأوائل المسلمات.
1- إكرام أهل السبق وابن أهل السبق:
لم يُسلم أبو أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبي بكر، وعن علي رضي الله عنه قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “من هذا؟” قال: عمار، قال: مرحبا بالطيب المُطيب”.
2- الرأفة بالآخرين:
عن ابن مسعود، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما خير ابن سمية بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
رابع عشر: عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
الإمام الحبر، فقيه الأمة، البدري، حليف بني زهرة، من السابقين الأولين، ومن النجباء العالمين.
1- الشعور بتحمل المسئولية:
عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد”.
عن عبدالله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرأ علي القرآن” قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: “فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا“ (41) فغمزني برجله، فإذا عيناه تذرفان.
خامس عشر: أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه:
أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة، من بني أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه زيد بن سهل بن الأسود، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: “صوت أبي طلحة في الجيش خير من مئة”.
1- الإنفاق من الطيب المحبوب:
قال أنس: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، فقال: يا رسول الله، إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: “بَخٍ! ذلك مال رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين”.
سادس عشر: شداد بن أوس:
وهو ابن أخي حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يمتاز بالبيان إذا نطق، وبكظم الغيظ إذا غضب.
1- الربانيون يفهمون حقيقة الدنيا والآخرة:
قال سلام بن مسكين: حدثنا قتادة: أن شداد بن أوس خطب، فقال: أيها الناس، إن الدنيا أجل حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، وإن الشر كله بحذافيره في النار.
سابع عشر: أسامة بن زيد رضي الله عنه:
حِبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد السواد خفيف الروح مقداما شجاعا، رباه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم أم أيمن، وكان أبوه أبيض، وقد فرح له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول مُجز المدلجي إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
1- بالحب ساد المسلمون العالم:
قالت عائشة رضي الله عنها: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة، فقلت: دعني حتى أكون أنا التي أفعل، فقال: “يا عائشة، أحبيه، فإني أحبه”.
قلت: كان سنه في سنها.
ثامن عشر: العباس رضي الله عنه:
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم قبل الفتح وأجار أبا سفيان.
1- أدب مع الكبار:
عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
2- حب آل النبي صلى الله عليه وسلم:
عن المطلب بن ربيعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عم الرجل صِنْوُ أبيه، من آذى العباس فقد آذاني”.
وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذا بزمام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت معه حتى نزل النصر.
عن ابن عباس، أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقال: “أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم من الله؟” قالوا: أنت. قال: “فإن العباس مني وأنا منه، لا تَسُبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا”.
3- الاستفادة من الإمكانات والقدرات عند الأحباب:
قلت كان تام الشكل، جهوري الصوت جدا، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة.
4- الرجوع للحق والوقوف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم:
ورد أن عمر عَمَد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه. فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه. فأقسم عُمرُ: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.
تاسع عشر: أبو هريرة رضي الله عنه:
عبدالرحمن بن صخر الدوسي، الإمام الفقيه سيد الحفاظ الأثبات، قال الإمام البخاري: روي عنه ثمانمائة أو أكثر.
1- لا يخلو أي مجتمع من الخير:
عن أبي هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “ممن أنت”؟ قلت: من دَوس. قال: “ما كنت أرى أن في دوس أحدا فيه خير”.
2- عند ظهور النعم يتذكر الإنسان ما كان وكيف هو الآن:
عن محمد، قال: كنا عند أبي هريرة، فتمخط، فمسح بردائه، وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان! لقد رأيتني، وإن لأخِر فيما بين منزل عائشة والمنبر مغشيا علي من الجوع، فيمر الرجل، فيجلس على صدري، فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع.
قلت: كان يظنه من يراه مصروعا، فيجلس فوقه ليرقيه، أو نحو ذلك.
عن أبي هريرة: أنه صلى بالناس يوما، فلما سلم، رفع صوته، فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما، بعد أن كان أجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة رِجله.
3- ليس كل ما يُعرف يُقال بل يسكت الإنسان عن أشياء مخافة الفتنة، ما لم يكن يتعلق بحل أو حرام:
عن مكحول، قال: كان أبو هريرة يقول: رُب كَيس عن أبي هريرة لم يفتحه يعني من العلم.
قلت: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تُحرك فتنة في الأصول، أو الفروع، أو المدح والذم.
أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى. وفي (صحيح البخاري) قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله!
4- الدعاء عند حضور الصالحين من أجل التأمين منهم:
من سنن النسائي: أن أبا هريرة دعا لنفسه: الله إني أسألك علما لا يُنسى،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين”.
مكمل العشرين: عمرو بن العاص رضي الله عنه
داهية قريش، ومن يضرب به المثل في الفطنة.
عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية وعمرو، والمغيرة، وزياد، فأما معاوية فللأناة والحِلم، وأما عمرو فللمعضلات، والمغيرة للمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير.
1- القناعة:
روى موسى بن علي، عن أبيه، سمع عمرا يقول: لا أمِل ثوبي ما وسعني، ولا أمِل زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أمِل دابتي ما حملتني، إن الملال من سيئ الأخلاق.
2- عدم الاستعجال في أخذ الأمور:
قال ابن عُيَينة: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين.
حادي وعشرين: جُبير بن مُطعم بن عدي رضي الله عنه:
شيخ قريش في زمانه وكان موصوفا بالحلم ويؤخذ عنه النسب.
1- عدم نسيان المعروف ولو كان من كافر:
وكان أبو جبير مطعم بن عدي هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة. وكان يحنو على أهل الشعب، ويصلهم في السر، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: “لو كان المطعم بن عدي حيا، وكلمني في هؤلاء النتنى، لتركتهم له” وهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة.
خاتمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
وبعد،،
فقد فضل الله بعض أصحاب النبي على بعض فقال: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى.
وكلهم وعدهم الله الحسنى، لأنه تعالى “رضي عنهم ورضوا عنه” وهم جميعهم أفضل أجيال هذه الأمة إلى يوم القيامة، فهم الجيل الذي عاصر نزول القرآن، وتربى على يد الرسول عليه الصلاة والسلام، وحمل هذا الدين إلى العالمين، وكانت ليلة الجهاد الشديدة البرد أحب إلى أحدهم من أن تزف إليه عروس محبوبة، وكان الإنفاق فيهم سجية لا تكلفا، والخشوع والخضوع لله طبعا لا تطبعا، وطاعة الله ورسوله أحب إليهم من كل شيء.
إنهم جيل فريد في تعبده، فريد في زهده، فريد في أثره ومن حق هذا الجيل أن تقتدي به الأجيال، وأن يسير من خلفه الرجال، ليحيوا أنفسهم من غاشيتها، ويحيوا أمتهم من مماتها. غير معتمدين إلا على الله وغير معتصمين إلا بحماه، وغير راجين إلا رضاه.
وجيلنا -نحن- والأجيال التالية لنا في حاجة ماسة إلى هذا الاقتداء، ولما كان كل أحد غير قادر على الوصول بنفسه إلى استخلاص المواقف، واستجلاء الحادثات واستنتاج العبر والعظات من حياة هؤلاء الأعلام فقد حاولنا أن نقدم له بعض هذه الأمور في هذه الوريقات، بعد أن طوفنا بحياة عديد من الكواكب المضيئة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء السابقين منهم إلى الإسلام أو اللاحقين.
على أمل أن نكون لهم من التابعين بإحسان لننال نحن رضوان الله كما نالوه، ولعل منا من يكون -بعمله- سابقا إلى الخيرات، محافظا على الطاعات. لينال شرف الدخول في قول الله سبحانه: “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم”.
وإني لآمل أن ينفعني الله وإخواني -القراء- بهذه المواقف التي تثمر في قلوبنا حب هؤلاء الأعلام فنحشر معهم ونكون في زمرتهم “والمرء مع من أحب”.
والحمد لله رب العالمين