مشكلات العالم الإسلامية القائمة الآن تثير الأشجان، وتجمع القادة المسلمين في طهران يثير الآمال، فهل تتغلب الآمال على الأشجان فتزيلها، أو تخفف وتقلل من آثارها؟

ونحن نشير إلى بعض المشكلات التي نود أن يكون لها علاج حاسم في قرارات القمة الإسلامية لترتاح النفوس من آلامها أو تخفف من بعض أحزانها.

مشكلات شتى:

أمام المسلمين مشكلات شتى، منها العاجل الذي يتطلب الحل السريع، ومنها ما لا يمكن أن يحل في سنة أو في سنوات، بل إنه يحتاج إلى عقد أو عقدين من السنين، وربما أكثر من ذلك وتعتبر مشكلة القدس في مقدمة المشكلات العاجلة التي تتطلب من قادة الدول الإسلامية حلا عادلا يتوافق مع الرغبة الإٍسلامية التي يحملها ملايين المسلمين في كل أرض، يودون أن يشدوا إلى المسجد الأقصى رحالهم، وأن يستشعروا أن القدس قد دانت لهم، وأن مسار عمر بن الخطاب لاستلام مفاتيحها لم يكن عبثا، فلئن ضاعت مفاتيح القدس كلها من يد المسلمين، منذ عام 1967م، فإن قدرتهم على استعادتها وقوتهم التي تمكنهم من فتحها وتعبيد طرقها لتكون مذللة تحت أقدام المسلمين أمر في طاقة القادة الذين اجتمعوا في طهران، لو وحدوا جهودهم، وأخلصوا في عملهم، يبغون ثواب ربهم، ويطلبون منه النصر والأجر، وخلفهم ملايين المسلمين يؤيدونهم، ويدعمونهم ويدعون لهم.

فهلا عمل قادة الدول الإسلامية عملا يوقف التطبيع مع اليهود أولا، ويمنع أمريكا من استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن كلما كان هناك قرار إدانة لإسرائيل ثانيا، ويعلن ثالثا أن مصالح البلاد الغربية في بلادنا -نحن المسلمين- مرهونة بتأييدها لحقنا في القدس، واستخلاص المقدسات، واسترجاع الأراضي المغتصبة، فإن هم أيدونا في ذلك ذللنا لهم الصعاب أمام مصالحهم، وقدمنا لهم ما يريدون وإلا فكيف نؤيدهم وهم يساندون اليهود، ونفتح الباب لمصالحهم وهم يغلقون في وجهنا كل مصلحة، ونقدم لهم ما يحتاجون، وهم يبخلون علينا بالعون السياسي والتأييد المعنوي في المحافل الدولية؟ فهل تكون القدس بداية التوحد الإسلامي في وجه الطامعين والمعتدين؟ وهل تكون الوقفة المنتظرة من قادة الدول الإسلامية هي البداية الصحيحة نحو الطريق إلى الأقصى؟

مشاكل قابلة للتفجر:

ومن المشكلات العاجلة مشكلة الحدود بين البلاد الإسلامية تلك القنبلة المتفجرة الموضوعة بين كثير من البلاد الإسلامية، لتشتعل في الوقت المحدد فتشغل البلاد عن تنمية مواردها وتستنفد طاقتها، وتستهلك ما عندها، وتفقر مواردها بغير طائل حقيقي، وفي غير نفع جدي، فإن لم يصل الأمر لدرجة القتال وصل لدرجة السباب وتبادل التهم والتهديد المستمر، وأثار الأحقاد وأوغر الصدور، فلا تصفو القلوب ولا تتحاب النفوس، فيظل التفرق قائما، والتمزق سائدا، والتوحد غائبا، والتعاون مفقودا.

مثال قريب:

والمثل القريب لذلك ما حدث بين مصر وقطر من مناوشات كلامية وألفاظ عدائية لم تكن بسبب خلاف على حدود أرضية، ولكنها بسبب خلاف على حدود سياسية كانت إسرائيل ومساندوها عاملا من عوامل تأججها، بإلقاء الزيت فوق لهيبها، وقد قيض الله المملكة العربية السعودية لحل هذا الخلاف السياسي، وفض هذا الاشتباك الكلامي على أحسن وجه، مما يتيح لنفوس آملي الخير، ومحبي الحق أن تحل كل الخلافات بين المسلمين على هذا النحو الطيب والنهج السليم، فتسلم القلوب في الصدور، ويتآلف الناس بآمالهم وطموحاتهم وإن توزعت أجسادهم واختلفت أوطانهم فوق رقعة العالم الإسلامي الفسيحة، فجزى الله المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين خيرا على هذه الخطوة الموفقة، التي نود أن تكون الفيصل عند الخلاف والشقاق، دون أن يصل الأمر لأبعد من ذلك.

اعتداء الجيران:

ولم تقف الفتنة في بلاد المسلمين عند حد الاعتداء باللسان وأجهزة الإعلام، بل إن الأمر ليصل أحيانا إلى حد القتال واقتحام الأرض والاستيلاء على البلاد وتشريد العباد كما حدث سنة 1990 على يد الطاغية الذي ما زال يزداد طغيانا وعتوا وجبروتا (صدام) الذي أصبحنا على يقين أن أجهزة الاستخبارات العالمية تسانده وتدعمه، وقد ترسم له الخطط التي يسير عليها، وهي لا تعدم الإخراج المتقن، الذي تبدو فيه الأحداث وكأنها من صنع (الدمية) صدام، مع أنه هو لا يتقن السياسة ولا يعرف الكياسة، وقد بدأت أجهزة المخابرات الدولية تمهد لرحيله وتهيئ الجو لبديله، حين أعلنت منذ أيام أن أي بديل لصدام سيسير على طريقه، وسيتبع سياسته!!! (أبشر بطول سلامة يا مربع)، وإذن فاستنزاف الموارد باق، والتهديد قائم، والتمكن للقوى المهيمنة في الخليج مستمر والتنافس على شراء الأسلحة على أشده، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية متوقفة أو متباطئة ما دام خليفة صدام سيكون له في الشر مثيلا، وفي الإجرام زميلا.

ألا يعزز ذلك مطلبنا بإيجاد قوة إسلامية، يعمل قادة الدول الإسلامية على إنشائها مع مراعاة الظروف الدولية، لتكون هذه القوة سيفا مشهرا أمام البغاة تقف في وجههم وتصد إفكهم، وتمنع شرهم وعدوانهم: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطينومثل هذه القوة -إن وجدت- يمكن أن تكون عنصر أمان لكثير من البلاد الإٍسلامية، إن تحقق فيها ما يتطلبه الإسلام من حرص على الحق والعدل وبغض للظلم والجور.

وإذا كان إيجاد هذه القوة متعذرا لبعض الأسباب فلا أقل من ايجاد “لجنة” مؤلفة من بعض السياسيين تقوم بحل المشكلات المعلقة بين الدول الإسلامية مثل مشاكل الحدود وغيرها من المشكلات.

الأقليات والجاليات الإسلامية:

إن المجاميع الإسلامية في بلاد غير المسلمين تحتاج إلى الدعم المعنوي، الذي به يزداد ثقلها ويبرز حجمها وتخف أعباؤها، ولن يتحقق لهذه المجاميع شيء من ذلك إلا إذا أحست بأنها تستند إلى مركز إسلامي قوي، قد يقف إلى جانبها إن احتاجت، ويقوي عزيمتها إن ضعفت، ويمنع عنها بعض ما قد يوجه إليها من أذى قد يصدر في صورة قانون جائر، وقد يظهر في صورة تعصب أعمى يكره الإسلام وأهله، أو في صورة حسد لنجاح اقتصادي أو فكري عند بعض المسلمين، فيسبب لهم خسائر جمة.

ووجود قوة إسلامية مؤثرة تساند هؤلاء الملسمين يدفع شرورا كثيرة ويمنع عنهم آلاما غير قليلة، ولا نقول: إن هذه القوة الإسلامية ستتدخل في شئون البلاد الأخرى، كبرى كانت أم صغرى، بل نقول: إن وجود هذه القوة وحدة كفيل بتحقيق الأمن للمسلمين في عديد من البلاد، وكفيل باحترام حقوقهم، وإبعاد القوانين الجائرة عنهم قبل صدورها، وعدم الإساءة إليهم في مظهرهم أو سلوكهم وأعمالهم.

وتضامن الدول الإسلامية وإقرار ميثاق للتعامل مع غير المسلمين على أساس معاملة دولهم للمسلمين في بلاد الغرب والشرق يؤدي إلى تحقيق هذا الغرض، ويخدم المسلمين هناك كثيرا، ويؤدي إلى أن تتغير نظرة الناس للإسلام والمسلمين.

التنمية:

لا يمكن لأي دولة -في الوقت الراهن- إغفال الجانب الإقتصادي، الذي أصبحت تتحكم فيه -اليوم- عوامل كثيرة، من أهمها استخدام التقنيات الحديثة في مجالات الانتاج المختلفة، وقيام تكتلات اقتصادية تتعاون فيما بينها وتنافس غيرها، وسن اتفاقات تجارية يتم على أساسها التعامل بين الدول.

والمسلمون لهم في العالم مكانهم ولهم تأثيرهم وأرضهم غنية -بحمد الله- بالموارد الكثيرة العديدة، وعندهم من العقول المفكرة ما يستطيعون به أن يتفوقوا على غيرهم، وهم مستطيعون -إن أرادوا وعملوا- أن يحققوا فيما بينهم اكتفاء ذاتيا يسد حاجاتهم، ويغنيهم عن غيرهم، بل قد يجعل الآخرين هم المحتاجين إلى ما عندنا من مواد لا غنى لهم عنها ولا تقوم حياتهم هناك بغيرها، فلماذا يسبقنا الآخرون في ميدان نحن نملك أدواته وآلياته؟

إن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وهل التقنية الحديثة في مجال الانتاج الزراعي والصناعي سر من الأسرار؟ كلا إن لك من يحاول أن يصل إليها قد وصل، ودول جنوب شرقي آسيا نموذج جيد للعمل على امتلاك الوسائل العصرية في الانتاج والتسويق، والاكتفاء بمواردها، والاستغناء بها عن غيرها بقدر الإمكان، فهل دول العالم الإسلامي أقل شأنا من دول جنوب شرق أسيا؟

إن الاستغناء عن الآخرين هو الخطوة الأولى في بناء صرح إسلامي قوي يعتمد على قدرته الذاتية، وإمكاناته المادية في إطار تضامن إسلامي يضمن فيه الجميع حقوقا مكفولة على أساس من العدل والحق.

من الجلسات الدبلوماسية:

للمؤتمرات التي يعقدها القادة والزعماء -على المدى البعيد- أبعاد في رسم الاستراتيجية التي بها تحقق الأمة أهدافها، بصرف النظر عن “التكتيك” الذي تستخدمه للوصول إلى هذه الأهداف، فقد تتغير الوسائل، وتتعدد المراحل نحو تحقيق هذه الاستراتيجية بحيث تكون لكل مرحلة خصائصها المميزة، مع ثبات الهدف وعدم تغيره، أو التوقف عن السير نحو الوصول إليه.

والمؤتمرات الصهيونية التي عقدها زعماؤهم منذ مؤتمر “بال” بسويسرا عام 1897م وما تبعه من مؤتمرات أخرى وضعت أمام الصهاينة الهدف الأكبر لهم وهو قيام دولة صهيونية على أرض فلسطين، وتقلبت الموازين الدولية أمامهم وتغيرت وسائلهم للوصول إلى هذا الهدف الثابت الذي لم يتغير ولم يتبدل، وكان أبرز الوسائل لتحقيق هدفهم هو إصدار وعد بلفور الذي به تضمن انجلترا -كانت القوة الأولى في العالم آنذاك- قيام وطن لليهود في فلسطين، وانتهت الحرب العالمية الثانية ببروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة أولى في العالم فغير اليهود تكتيكهم، دون أن تتغير استراتيجيتهم حتى حققوا هدفهم رغم تعدد المراحل وتنوع الوسائل.

والمؤتمرات الإسلامية لا تخطط لعام ولا لأعوام بل إنها تضع استراتيجية ثابتة لهذه الأمة تقوم -كما قال سمو أمير البلاد- على احترام المواثيق ونبذ العدوان، وتحقيق قدر لابد منه من التنسيق بين مواقف الدول الإسلامية لا تضارب فيه مع تحديد الخطوات والمراحل لتحقيق هذه الأهداف.

إن الاستراتيجية القائمة على هذه الأسس كفيلة بإنهاض الأمة من كبوتها وتحقيق اعتزازها بنفسها، وانتزاع مقدساتها من أعدائها، وتحقيق قدر كاف للأمان بين دولها.

وهذه الأهداف لا ينتظر أن تتحقق بين عشية وضحاها، وإنما هي تتحقق على المدى البعيد، ولا بأس بذلك -إن ظللنا متمسكين بهذه الأهداف، تتغير وسائلها والأهداف لا تتغير وتتعدد مراحل الوصول إليها دون أن نتوقف وحينئذ تكون المؤتمرات قد أثمرت ثمرتها وآنت أكلها.

هذه بعض شجون أسجلها قبل أن تنهي القمة الإسلامية أعمالها وتصدر قراراتها، وأملي أن تأتي قرارات القمة الإسلامية مزيلة للشجون، باعثة للآمال.