الشيخ / د. جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

إن ما يتعرض له مسلمو إقليم كوسوفا لانتهاكات إنسانية خطيرة وتطهير عرقي وما يقوم به صدام الصرب ميلوسيفيتش من عمال وحشية وحملات كاسحة وقتل جماعي ومجازر وتهجير، واتباع سياسة الأرض المحروقة لتفريغ كوسوفا من المسلمين فاق كل تصور .. فالخطة الصربية الموضوعة هي عزل شمال كوسوفا الغني بالثروات الطبيعية عن جنوبها الفقير، ودفع الألبانيين للنزوح إليه والتواجد المكثف فيه، ومن ثم القبول بالتفاوض لغرض التقسيم وتكريسه كما حدث في البوسنة.

والسؤال الملح هو ما دورنا نحن المسلمين تجاه إخواننا الذين يقتلون ويهجرون على مرأى ومسمع

كل الشكر لصحيفة الوطن ولجنة العالم الإسلامي ولخطها الساخن لنصرة إخواننا في كوسوفا

من العالم أجمع، وكيف لنا أن ننكر هذه الفظائع، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” فلما أقل من الإنكار على الصرب فيما يفعلون والألم واعتصار القلب لما يقع على المسلمين في كوسوفا سواء باليد أو اللسان أو القلب، ولو أتيح للشباب في خليجنا العربي الجهاد بأنفسهم بعد أن جاهدوا بأموالهم لذهبوا يطلبون الشهادة من أجل إعلاء كلمة الله دفاعا عن شيوخ ونساء وأطفال ليس لهم بعد الله إلا أخوة لهم في الدين يذودون عنهم وينافحون.

وأما موقف بعض الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها العراق وليبيا والجزائر وما ماثلها من مناصرتهم للرئيس الصربي .. فإنه من المحزن والمخزي في آن واحد أن تهدر دماء المسلمين في معركة من طرف واحد يملك عدوهم الصرب الحاقدون كل شيء، بينما لا يملكون إلا الحق الأعزل .. وتقف دول عربية وإسلامية مع قاتل وظالم وسافك للدم وهاتك للعرض، فوالله إن هذا لشيء عجاب؟!

إن من صور الإنكار لما يحدث وصور التعاون على البر والتقوى هو ما تقوم به صحافتنا المحلية

لا ننسى الخنجر المغموس في خاصرة الأمة في فلسطين ولا نغض الطرف عنه

وعلى وجه الخصوص موقف صحيفة الوطن من نقل الأخبار وفضحها لما يقوم به الصرب ووقوفها مع المسلمين في كوسوفا وتسخير كافة إمكانياتها ودعمها اللامحدود لمؤسسات العمل الخيري وبخاصة مساهمتها وتعاونها مع لجنة العالم الإسلامي في إنجاح فعاليات حملة إغاثة مسلمي كوسوفا التي بفضل الله ثم بوقوف الوطن كصحيفة مع هذه الحملة الإغاثية لما تحققت الأهداف المادية والإعلامية حول هذه القضية منذ أن تفجرت في أيامها الأولى قبل شهور عدة، فلهم من الله خير الجزاء ولهم منا جزيل الشكر والامتنان.

لا يخفى على الممعنين النظر فيما يدور من أحداث أن الضربات العسكرية التي يقوم بها حلف الناتو هو إضعاف القدرة العسكرية للصرب ومنعهم من الاستمرار في نهج التطهير العرقي والأثني كما أن هدفا استراتيجيا آخر تسعى أمريكا وحلف الناتو إلى تحقيقه وهو إعادة ترتيب اللوحة السياسية في أوروبا التي بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولم تنته بعد حتى الآن لاستمرار نظام ميلوسيفيتش الشيوعي في يوغسلافيا.

صحيح أن لأمريكا والغرب مصالح بصورة أو بأخرى، فكما للغرب مصالح في خيراتنا النفطية في

هل أمريكا والغرب في عداء دائم للمسلمين في جميع الحالات والاتجاهات

بلادنا العربية والخليجية على وجه الخصوص ومصلحة لها في وضع مراكز قوى لها في أوروبا الشرقية والغربية باعتبارها أسواقا كبيرة ووجود موارد خام وبعد استراتيجي في المحافل الدولية، فجميعنا يعلم بأن ما من إنسان أو مجتمع أو فئة أو دولة لا يتحرك لتحقيق مصالح ومكاسب يستفيد منها لنفسه أو فئته أو أمته، فهذا أمر متصور ومقبول لحد كبير لكن لا يعني هذا عدم ذكر الجانب الإيجابي في التدخل الغربي والتحرك الأمريكي. فالانصاف مطلوب وكل عمل ماله وما عليه وقد أمرنا المولى عز وجل في كتابه الكريم بالعدل “ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”، فالانتصار للمسلمين في كوسوفا الآن والبوسنة سابقا ووقوفهم بقوة ضد مجرمي الصرب وتجاوزاتهم اللاأخلاقية واللاإنسانية وإقرار الغرب بحق مسلمي كوسوفا بالتمتع بحكم ذاتي وسعيهم الحثيث لإرغام المجرم ميلوسيفيتش على احترام حقوق المسلمين الدينية والثقافية.

فنظرة أمريكا للجانب الإنساني نظرة تحتاج منا إلى إنصاف والجانب الإنساني في السياسة الأمريكية له حظ كبير فعلينا أن نستفيد من هذه السياسة وأن نكون منصفين.

لا شك أن التوسع الصربي الذي يدبر في كل وحدات يوغسلافيا القديمة من البوسنة إلى كوسوفا إلى

هل عداء المسلمين لأمريكا مبني على ركائز صحيحة وأسس أكيدة

مقدونيا إلى غيرها ما كان للعالم الإسلامي ولا العرب أن يقوموا بشيء سوى كتابة بيانات أو إطلاق تصريحات هنا وهناك، هذا إن أنكروا وتقديم الأطعمة والأشربة والألبسة لمن بقي من العجائز والأطفال من الأحياء لذلك كان لا بد من التفكير الجدي والواقعي في السؤال الذي يطرح نفسه هل أمريكا والغرب في عداء دائم للمسلمين في جميع الحالات والاتجاهات؟ نحن نقول أنه ليس من المنطقي أو المعقول أن نكون نحن في عداء دائم للأمريكان وعلينا أن نقر بأن القضية الإنسانية لها اعتبار عندهم بصورة أو بأخرى وأن العداء المطلق الذي تمارسه بعض الأحزاب والأنظمة وبعض الدول العربية والإسلامية يجب إعادة النظر فيه، وعلينا أن نسأل أنفسنا هل عداء المسلمين لأمريكا مبني على ركائز صحيحة وأسس أكيدة أو أنه عداء ناتج باعتبار أن أمريكا هي الأقوى وأن التشنجات والعداء تجاه أمريكا هو رصيد لتلك الدول والتكتلات ودليل على أن الدولة أو الحزب هي الأقوى.

وهذا لا يعني أن الخنجر المغموس في خاصرة الأمة في فلسطين والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل أمر نغض الطرف عنه أو ننساه ولكن التخطيط اليهودي الذي جعل أمريكا تقوم بالتمويل الاقتصادي والدعم التقني والحماية السياسية بكل الصور والأشكال علينا أن نستفيد منه ونعرف كيف نصل إلى ما وصولوا إليه، فـ 10 ملايين مسلم في أمريكا و 4 ملايين مسلم في فرنسا، و 3 ملايين مسلم في ألمانيا، فإذا ما اجتمعت هذه القوة العددية مع قوة النفط والاقتصاد والمال والعمق الاستراتيجي التجاري يمكن أن تصنع الكثير وتجعل من أمريكا قوة تصب مع قوة المسلمين وتحيد

10 ملايين مسلم في أمريكا و 4 ملايين مسلم في فرنسا و 3 ملايين مسلم في ألمانيا .. فإذا ما اجتمعت هذه القوة العددية مع قوة النفط والاقتصاد والمال والعمق الاستراتيجي التجاري يمكن أن تصنع الكثير وتجعل من أمريكا قوة تصب مع قوة المسلمين وتحيد من مواقفها

من مواقفها وبدورنا سنقوم بمشيئة الله تعالى بإعداد دراسة متجنية ننشرها في مقال قادم تبحث هذه القضية بالذات وصولا إلى نظرة مستقبلية في التعامل مع الغرب وأمريكا، وفي ختام مقالنا ندعو المسلمين المنفقين إلى أن يقفوا مع إخوانهم المسلمين الكوسوفيين لحفظ كرامتهم الإنسانية وتخفيف معاناتهم ودعمهم بما تجود به أنفسهم من مال أو غذاء أو كساء أو دواء وهذا أضعف الإيمان، ولجنة العالم الإسلامي التابعة للأمانة العامة للجان الخيرية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي تستقبل تبرعاتكم على حساب رقم 1-16742-101-01 على الخط الساخن رقم 2401977-3921977

 

 

ماذا بعد العيد يا أمي؟

أفراح وأحزان:

مضى العيد كما مضت من قبله أيام، وكما ستمضي من بعده أيام، حقا فرح كثير من الناس به لأسباب كثيرة كل منها يخص طائفة من الناس، فأصحاب التوجه الديني فرحوا بالأيام العشر، وما فيها من مناسك يؤديها مئات الألوف منهم، ويتابعها عشرات الملايين في كل مكان. وبعض الآخرين فرحوا بمكاسبهم في التجارة التي عادة ما تروج في مثل هذه المناسبات، وآخرون فرحوا بالمناسبة ذاتها، وقرروا أن يكون لهم من اللهو واللعب والسفر والسهر حظ وفير.

والذي تؤرقهم مشاكل الأمة وأحداثها لم يستطيعوا أن ينسوا همومهم، ولا أن يغفلوا أياما عن التفكير في أوطانهم ومجتمعاتهم وأمتهم.

كيف يفرح إنسان منا والتهديد والخطر العراقي ما زال قائما، واستنزاف مواردنا ما زال جاريا، والأمن الذي تنشده ما يزال بعيدا، والأموال التي تنفق على دواعي الأمن كثيرة كثيرة، ولا تبدو في الأفق نهاية لهذا الوضع الذي نعاني منه الآن. فما بالك لو امتد عقدا آخر من السنين؟!!

كيف يفرح إنسان وما زالت بلادنا لا تحاول أي محاولة جادة للتقارب الحقيقي، الذي يؤدي إلى نوع من الوحدة تخدم مصالح البلاد والعباد؟

كيف يفرح إنسان ونفقات أمتنا تزداد ومواردنا تقل، وكل يوم جديد تزداد فيه معدلات البطالة، والأيام تمر من غير أن تسمع عن خبر يسر، أو اكتشاف ينفع أو توجه سديد رشيد يصلح ما أفسد الناس؟

كيف يفرح عاقل وهو يرى إسرائيل تزداد عتوا، والقدس تزداد بعدا، وحركات

 الذين تؤرقهم مشاكل الأمة وأحداثها لا يستطيعون أن ينسوا همومهم، ولا أن يغفلوا عن التفكير في أوطانهم وأمتهم.

الجهاد ضدها خفت صوتها فلم يبق أمامها إلا المقاومون في جنوب لبنان، الذين يهزون جبروتها، ويزعزعون ثقتها؟ فأين بقية الحركات الفدائية؟ ومن الذي أوقف مدها وشل يدها؟

كيف يفرح إنسان وأهل كوسوفا مشردون، والمذابح تجري بينهم وتقرب آجالهم، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون؟ فليكن الذبح لهم والتشريد والوعيد والتهديد.

كيف يفرح إنسان وما زالت أصداء مذابح البوسنة تسمع في أماكن كثيرة منها كشمير التي يود الهنود أن يبتلعوها؟

إن الهموم كثيرة والمعاناة كثيرة ولكن بصيص الأمل لا يغيب، فالعقلانية التي تسود بعض الدول المحيطة تبشر بالخير، والمفاوضات الجارية بين الأطراف المتنازعة في أفغانستان تبشر بالخير، والاتجاه الإسلامي في كثير من البلاد يبشر بالخير، ويبعث في النفوس الأمل بأن المستقبل سيكون –إن شاء الله- أفضل من الحاضر. وكل ما هو مطلوب من أجل ذلك من الناس شيء من الجد في العمل، وشيء من نقاء الضمير، وشيء من صدق العزم، حتى تتحول الأحوال وتتغير النفوس فيغير الله بعد العسر يسرا، وبعد الضيق فرجا.

هل يكون إعلان (دكا) بارقة أمل؟

“إعلان دكا” هذا هو عنوان القرارات والتوصيات التي صدرت عن المؤتمر الثاني لقادة مجموعة الدول الإسلامية الثماني (D.8) الذي أنهى أعماله في دكا عاصمة بنجلاديش منذ بضعة أسابيع قليلة.

والدول الثماني هي: بنجلاديش، ومصر، وتركيا، وباكستان، وماليزيا، وإيران،

قد يبشر (إعلان دكا) بالخير إن قام على الدراسة الجادة، وتخلى عن أشكال الدعاية الإعلامية وحسنت نية القائمين عليه.

ونيجيريا، وأندونيسيا. وهي تشكل بسكانها أكثر من نصف العالم الإسلامي، وتشكل في مواردها الاقتصادية نسبة لا بأس بها في الاقتصاد العالمي، وتشكل بمواقعها المختلفة نقاط ارتكاز يمكن أن تكون محاور تجمع للمسلمين في بلاد أخرى يمكنهم أن ينضموا إلى هذه الدول إذا أثبتت جديتها، وعملت على إيجاد تكتل حقيقي يخدم مصالح هذه الدول، ويعود بالنفع عليها، بحيث تقوم المصالح التبادلية التي يسعى الناس إليها بالربط القوي بين هذه الكتلة المتفرقة المواقع المتنوعة الإنتاج المتحدة في الدين، وإذا كان الدين هو عامل التوحد الإيجابي الوحيد بين هذه البلاد فإن هناك عوامل توحد كثيرة سلبية بينها، فمعظم سكان هذه الدول فقراء، والخدمات الإنسانية فيها ليست على المستوى الموجود في الدول الغربية، وكثير من أبنائها يعيشون أميين أو شبه أميين، كل هذه الدول يغلب عليها سمات العالم الثالث بما في ذلك باكستان التي فجرت في العام الماضي أول تجربة ذرية لها، ومعنى ذلك أن هذه الدول في أمس حاجة إلى الوحدة والتكتل حتى ولو على أساس اقتصادي بحت.

فهل تستطيع هذه الدول أن تكون كدول الاتحاد الأوربي، التي نجحت في تحقيق نوع من الوحدة بينها أثمرت وحدة العملة “اليورو” الذي يرى الخبراء أنه سيكون العملة الثانية بعد الدولار إن لم ينافس الدولار على مكانته، والتي تسير بخطا حثيثة ومدروسة نحو وحدة أشمل وأكمل رغم ما بين شعوبها من اختلافات كثيرة. أم أنها ستكون كنمور جنوب شرق آسيا التي ارتفع صوتها، وسلط الإعلام عليها حتى إذا ما ظن الناس أنهم صاروا شيئا في عالم الاقتصاد نزلت بهم الكارثة الاقتصادية، التي هزت تلك البلاد هزا عنيفا وقضت على بعض السياسيين فيها؟

إن تجمع الدول الثماني بادرة طيبة تحمل بشرى ميلاد تكتل إسلامي يمكن أن يكون

هل يقوم تكتل اقتصادي حقيقي بين الدول الإسلامية يخدم شعوبها ويسد كفايتها ويصدّ الطامعين في خيراتها.

شيئا مذكورا في عالم الاقتصاد، لو قام على الدراسة الجادة والعمل المتواصل، وحسنت نيات القائمين به، ونظروا لصالح شعوبهم، وتجنبوا الوقوع في المزالق التي وقعت فيها نمور جنوب شرق آسيا بعدما أصابها ما أصابها.

إن هذه الخطوة قد تكون فاتحة خير على البلدان المشاركة إن استمر العمل من أجلها بين هذه الدول، وقد تكون غير ذلك إن أخذ هذا الإعلان (إعلان دكا) كما أخذ غيره من قبل نصيبا من الدعاية وتوقف عند ألوان وأشكال التعاون السابقة بين بعض الدول الإسلامية، التي يكذبها الواقع بأبلغ العبارات وأوثق الشهادات.