حتى لا تصبح الفتوى صنعة من لا صنعة له

                        بقلم: الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين

ليس هناك تقسيم واضح للعصور الفقهية على أساس علمي، وإنما استمدت أدوار الفقه وعصوره من ملامح العصر نفسه حتى يتميز بأنه أحد أدوار الفقه، فمثلاً الدور الأول وبلا شك هو عصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم العصور الفقهية على الاطلاق لأن التشريع الإلهي تم في هذا العصر، وهي أساس الفقه في جميع أدواره وعصوره في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو فقه الوحي.

وكان التشريع ينقسم إلى التشريع المكي حيث التركيز على بناء العقيدة والإيمان، والتشريع المدني حيث التركيز على بناء الدولة والتشريعات التعبدية والقوانين والأسرية، وكان التشريع يتم بناء إما على حوادث تقع تقتفي حكماً من الشارع، أو أحكام غير مسبوقة بسؤال أو حادثة معينة.

 وضع المسلمون على الفقه ثم علم أصول الفقه، ثم القواعد الفقهية التي رسخت أركان هذا العلم الأصيل.

       وقد قام التشريع على أساس مراعاة مصالح الناس ودرء الأضرار والمفاسد عنهم، وهذا هو الأصل الكبير الجامع لجميع أحكام الشريعة الإسلامية، ويتميز التشريع بالتدرج في تشريع الأحكام ورفع الحرج ووجود النسخ.

       أما العصر الثاني فهو عصر الخلفاء الراشدين حيث ظهر الاجتهاد لظهور وقائع جديدة لم تنزل بها أحكام، وحاول الصحابة اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد وصدور الحكم مع التفاتهم إلى تعليل الأحكام ورعاية المصلحة فكانوا يلتمسون الحكم في كتاب الله، فإن لم يجدوا ففي السنة، فإن لم يجدوا اجتهدوا. 

وكان الاجتهاد جماعياً في زمن الخليفتين أبي بكر وعمر، ومن أمثلة ذلك سهم المؤلفة قلوبهم وحد السرقة في عام المجاعة، وكان هناك اختلاف في الرأي على عكس الدور الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومرد ذلك إلى عدم علم البعض بالسنة وعدم وصولها إليهم، وبسبب اختلافهم في فهم النصوص واجتهادهم فيما لا نص فيه، وكان الاختلاف قليلاً والمكثرون من الصحابة في الإفتاء: عمر وعلي وابن مسعود وأم المؤمنين عائشة وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

أما الدور الثالث فكان تقريباً في عهد الدولة الأموية، وسار التابعون على نهج الصحابة في الفقه والفتوى، وشاع التحديث بالسنة والرحلة في طلب الحديث، وتميز هذا العصر باتساع دائرة الفقه وشيوع رواية الحديث وأثره في الفقه وظهور مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي ولم يدون فيه شيء ولا السنة وإن حصلت محاولات للتدوين.

ثم جاء الدور الرابع وهو دور ازدهار علم الفقه وتأصيله ويمتد من أوائل القرن الثاني حتى منتصف القرن الرابع الهجري، حيث نضج الفقه وزود الدولة الإسلامية بالأحكام القانونية لتنظيم مختلف أمورها وشئونها قروناً عديدة، كما شهد هذا العصر ظهور نوابغ الفقهاء والمجتهدون العظام الذين أسسوا للمذاهب الفقهية، حيث يمثل كل مذهب مدرسة فقهية ترينا نمط التفكير الفقهي الدقيق لأصحابها ومناهجهم في فقه الشريعة واستنباط الأحكام من نصوصها وقواعدها.

 الثروة الفقهية الناتجةعن المذاهب الأربعة أغنت الفقهاءعن البحث والاستنباط مع تهيب من الاجتهاد جعلتهم يؤثرون الراحة والتقليد.

كما دون الفقه في هذا العصر وضبطت قواعده وجمعت أشتاته وألفت فيه الكتب وصار بناؤه شامخاً عالياً متميزاً، كما دونت السنة في هذا العصر تدويناً شاملاً مع بيان الصحيح منها والضعيف، وسمي هذا العصر بعصر التدوين، وعصر الفقه الذهبي وعصر المجتهدين، وقد شعر مختلف الفقهاء من مختلف المذاهب بالحاجة إلى ضبط أصول الاستنباط وقواعد استخراج الأحكام فأسسوا قواعد علم أصول الفقه، فوضع العبقري المبدع الإمام العلم الشافعي رسالته الشهيرة الأصولية وهو كتاب “الرسالة” في أصول الفقه، ثم تبعه الإمام ابن حنبل ثم تتابع العلماء بعد ذلك في الكتابة بهذا العلم البديع الذي لا يوجد له مثيل في العلوم المشابهة.

وبعد منتصف القرن الرابع وحتى سقوط بغداد 656هـ بأيدي المغول دخل الفقه في عصر الركود وهو العصر الخامس، حيث اعتراه الضعف والتوقف عن التطور، كما جنح الفقهاء في هذا العصر إلى التقليد والتزام المذهبية وسد باب الاجتهاد ودعوة الناس إلى التقيد بالمذاهب، بعد أن كان الأصل أن يكون الفقيه مجتهداً مستقلاً لا يتقيد بمذهب معين وإنما يتقيد بنص الكتاب والسنة، غير إن ضعف همة الفقهاء واتهام نفوسهم بالتقصير واللحاق بالمجتهدين السابقين وما رسوخه من مسائل علمية في مذاهبهم الفقهية جعل فقهاء هذا العصر يقفون عند هذه الحدود.

وما ساعد في هذه الحالة ضعف السلطان السياسي للعباسيين في النصف الثاني من خلافتهم، مما أدى إلى نشوء دويلات كثيرة أثرت في حياة الفقهاء، كما إن المذاهب الفقهية دونت تدويناً كاملاً مع التشذيب والتهذيب مما جعلها ثروة فقهية جعلت الفقهاء يستغنون بها عن البحث والاستنباط، بالإضافة إلى ضعف الفقه بالنفس والتهيب من الاجتهاد، فكان كثير من الفقهاء يؤثرون العافية ويفضلون الراحة والتقليد.

وبناء على تلك المعطيات خشى الفقهاء من عبث الأدعياء بالفقه وإفساد دين الناس بالفتاوى بالباطلة التي لا تقوم لا على علم ولا على فهم، وقد اقتصر عمل الفقهاء في هذا العصر على تقليل الأحكام المنقولة عن الأئمة الأعلام، واستخلاص قواعد الاستنباط من فروع المذهب للتعرف على طريق الاجتهاد التي سلكها أيام المذهب والترجيح بين الأقوال المنقولة عن إمام المذهب بناء على أصول المذهب وقواعده، بالإضافة إلى تنظيم فقه المذهب، وترتيب أحكامه، ولا شك أنها أعمال جليلة لا يمكن هضم أصحابها وجهدهم المبذول فيها.

 الخوف من أدعياء الفقه وإفساد دين الناس بالفتاوى الباطلة بعد سقوط بغداد بأيدي المغول جعلت العلماء يغلقون باب الاجتهاد.

وبعد سقوط بغداد حتى وقتنا المعاصر لم ينهض الفقه من التقليدية والركود ولم يغير الفقهاء نهجهم، ولكن في هذا العصر برز من يدعو إلى الاجتهاد المطلق وتلمس الأحكام من الكتاب والسنة دون تقيد بمذهب معين، وعلى رأس هؤلاء الإمام المجدد الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد نالوا حظهم من النقد والإنكار من جمهور الفقهاء المقلدين.

واتجه الفقهاء في هذا الدور إلى تأليف المتون والشروح والحواشي، حيث كانت المتون مختصرات للمذهب يتم اختصار بعضها حتى تصبح غير مفهومة وتشبه الألغاز لشدة اختصارها، مما جعلها تحتاج إلى الشرح فكانت مؤلفات الشروح بجانب المتون، ثم الحواشي وهي شرح الشروح في حاشية الكتاب.

       وهكذا دخل الفقه في دوامة الحواشي والشروح والمتون، وتركت الكتب الفقهية السهلة الميسرة، فأصبحت كتب الفقه في هذا العصر في كثير منها كالطلاسم التي لا يفهمها إلا المتخصصون من أهل العلم، وكذلك ظهرت كتب الفتاوى وهي عبارة عن أسئلة وأجوبة فقهية مرتبة في الغالب حسب أبواب الفقه، مثل فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية التي تعتبر ثروة فقهية بحد ذاتها لأنها تمثل الفقه العملي التطبيقي.

       ولعل من أهم ملامح هذا العصر كذلك هو تقنين الأحكام الفقهية لكي يسهل على القضاة الرجوع إلى الرأي الفقهي في القضايا المطروحة وظهرت “مجلة الأحكام العدلية” وصارت هي القانون المدني للدولة العثمانية حيث صدر أمر الدولة للعمل فيه في 26 شعبان 1293هـ وظهرت بعده قانون الأحوال الشخصية في العديد من الدول العربية والإسلامية.

       وهناك مظاهر نهضة فقهية وتباشير عودة إلى فقه الأدوار الأولى من حياة الأمة، وذلك بالاهتمام الملحوظ بالفقه الإسلامي، ودراساته المقارنة والتأليف في مباحثه وهي نهضة مؤمل لها الخير الكثير، خصوصاً بعد ظهور دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية وأثرها الكبير في العودة إلى الكتاب والسنة الخالية من البدع والجمود.

أئمة الفقه

       لقد يسر الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة رجالاً أوقفوا حياتهم لخدمة دين الله وفقه كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانوا كالنجوم في السماء يهتدي بها الناس في أمور دينهم وأحكام الشريعة، وخصوصاً أئمة المذاهب فهناك الإمام أبو حنيفة النعمان زعيم أهل الرأي حيث بلغت مدرسة الكوفة شهرتها كمدرسة للرأي، وكان أبو حنيفة حامل لواء الرأي والقياس في زمانه بلا منازع وكان مكثراً من الفقه التقديري ويفترض المسائل ويطبق عليها القياس، ومع هذا لم يكن قليل البضاعة بالحديث النبوي، وقد رويت عنه أحاديث وآثار كثيرة. 

       وقد قال الشافعي:” الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة”، وكان أبي حنيفة يرجع لكتاب الله فإن لم يجد الحكم فيه يرجع إلى السنة فإن لم يجد فيها يرجع إلى أقوال الصحابة فإن لم يجد الحكم اجتهد ويدخل في الاجتهاد القياس والاستحسان وقد برع فيهما وأجاد، كما إنه كان يأخذ بالإجماع والعرف.

       أما الإمام مالك بن أنس فهو إمام دار الهجرة، ولم يجلس للإفتاء والتدريس إلا بعد أن شهد له بالأهلية سبعون رجلاً من أكابر الفقهاء، وكان يدرس في أول الأمر في المسجد النبوي، فلما مرض انتقل للتدريس في بيته، وكان حريصاً أن لا يجيب إلا على المسائل الفقهية التي تقع وليس هذا من قلة علم، بل من ورع وخشية في تحول الفقه إلى علم للتجارب والحيل والألغاز، وكان الإمام مالك يقول بعمل أهل المدينة ويقدمه على خبر الآحاد المعارض له، وحجته قوية في ذلك حيث أن عمل أهل المدينة متوارث عن آبائهم وأجدادهم فهو بمثابة السنة المتواترة، وله كتاب الموطأ وهو من أول الكتب تأليفاً في هذا المجال، وقد ارتبطت المصلحة المرسلة بفقه الإمام مالك حتى قرن اسم المصالح المرسلة بمذهب الإمام مالك.

       ثالث الأئمة الفقهاء الإمام الشافعي الذي يلتقي مع النسب النبوي الشريف في عبد كمناف وقد أذن للشافعي بالإفتاء وعمره خمس عشرة سنة، وقد لقي الإمام مالك في المدينة وسمع منه الموطأ وتفقه عليه ولازمه حتى مات سنة 179هـ، ورحل إلى اليمن ومكة وبغداد ومصر وبها وافاه الأجل.

 بسبب البطش السياسي تراجع الفقهاء عن المشاركة العامة وانشغلوا بتأليف المتون الفقهية والحواشي وحواشي الحواشي حتى أصبح فقه تلك العصور أشبه بالطلاسم.

وقد اطلع الشافعي على الفقه المكي والمدني والفقه الحنفي وظهرت مدرسة الشافعي في الفقه وهي مزيج من فقه أهل العراق وأهل الحجاز، وصنف كتابه “الحجة” وفيها آراؤه في ذلك الوقت، وبدأ ينشر مذهبه في العراق، وعندما رجع إلى مصر ترك أقوالاً غير قليلة من آرائه في العراق لما رأى من تبدّل الأحوال والظروف بالإضافة إلى نضوجه الفقهي وهو ما يعرف بالمذهب الجديد للشافعي، وهو وسطاً بين أهل الحديث وأهل الرأي.

ويعتبر الشافعي أول من صنف في أصول الفقه كتابه العظيم “الرسالة” وهو أول مصنف وصل إلينا في علم أصول الفقه، والشافعي يأخذ بالكتاب والسنة ويجعل السنة مبنية وشارحهة لنصوصه ومفصلة لمجمله ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعامه، وبعد الكتاب والسنة يحتج بالإجماع ثم بأقوال الصحابة يتخير منها الأقرب إلى الكتاب والسنة فإن لم يتبين له الحكم أخذ بأقوال الخلفاء الراشدين ورجحها على غيرهم، ثم بعد ذلك يحتج بالقياس.

       أما الإمام أحمد بن حنبل وهو آخر أئمة المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة زمناً وظهوراً، فقد كان عالماً بالنسة متبحراً فيها، ودقيق الفقه حتى قال الشافعي فيه: خرجت من بغداد فما خلفت فيها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل، وقد امتحن بفتنة خلق القرآن أيام المأمون، لكن الله ثبته فنصر به الدين وهزم المبتدعة.    

       والإمام أحمد بن حنبل بنى فقهه على خمسة أصول: النص من الكتاب والسنة، وفتوى الصحابي، وتخير أقرب أقوال الصحابة إلى الكتاب والسنة، والأخذ بالحديث المرسل إذا لم يكن دليل آخر يدفعه وهو الذي رجحه على القياس، ثم القياس ويستعمله للضرورة.

       وقد ظهر بعد هؤلاء الأئمة الاربعة الكبار أئمة آخرون لم يكتب لمدارسهم الفقهية أن تنتشر كالأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وابن جرير الطبري.

       وهناك إمامان كبيران ينتسبان للمذهب الحنبلي وهما شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان صورة من صور العبقرية والتجديد والتمكن من أدواته العلمية وتأصيله الرائد لمنهج أهل السنة والجماعة، وتلميذه ابن القيم صاحب التصانيف المفيدة، وكان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ينهجان المنهج المستقل في الاستنباط، ثم الشيخ محمد بن عبدالوهاب صاحب الدعوة السلفية في الجزيرة العربية حيث انتشر فكره في أنحاء الجزيرة العربية ثم في العالم الإسلامي قاطبة.

القواعد الفقهية

       ونريد أن نختم مقالنا هذا بما بدأناه بالتنبيه على أهمية علم الفقه وتاريخه العريق ورجاله حتى لا يأتي بعض المتطفلين ويخضون بحراً لا سفينة لهم فيه ولا قارب، ونورد هناك أمثلة لبعض القواعد الفقهية التي أصلها علماء الفقه لنستكمل بذلك جولتنا التعريفية بعلم الفقه وهي بلا شك جولة سريعة مختصرة لا تفي الموضوع حقه ولكننا وجدناه مناسبة للمقام ولا تخلو من فوائد، حتى يدرك القاريء أن التصدي للإفتاء مسألة أفنى الرجال العظام أعمارهم وهم يخدمون هذا العلم قبل أن يتحدثوا بكلمة يحرموا فيها حراماً أو يحلوا حلالاً.       

      والقاعدة في اصطلاح الفقهاء حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته أو أكثرها لتعرف أحكامها منه[1]، وفي  الفقه الإسلامي جملة كبيرة من هذه القواعد التي تعتبر كل قاعدة منها ضابطاً وجامعاً لمسائل فقهية كثيرة[2] وقد استخرج الفقهاء هذه القواعد بتتبعهم مسائل الفقه وفروعه وإرجاعهم كل مجموعة منها إلى قاعدة عامة يسري حكمها العام على جميع أو أكثر جزئيات هذه المجموعة التي تتشابه فيها هذه الجزئيات ببعض المعاني.

       وهذه القواعد الفقهية تختلف عن قواعد أصول الفقه، لأن قواعد الأصول تضع المناهج وتبين المسالك التي يلتزم بها الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، أما القواعد الفقهية فهي من قبيل المبادىء العامة في الفقه الإسلامي التي تتضمن أحكاماً شرعية تنطبق على الوقائع والحوادث التي تدخل تحت موضوعها.

       وهذه القواعد لها مكانة عظيمة في الفقه الإسلامي فهي تساعد على تكوين الملكة الفقهية عند طالب الفقه، وتعين على معرفة أحكام الجزئيات، وتوضح التصورات والأفكار القانونية في الفقه الإسلامي، ومن أمثلة هذه القواعد.

 علم الفقه بحر واسع عظيم أفنى الرجال العظام أعمارهم وهم يكتشفون أسراره، وليعلم المتطفلون أي بحر ولجوا.

قاعدة: لا مساغ للاجتهاد في معرض النص

      الاجتهاد اصطلاح الفقهاء صرف وبذل الطاقة والقدرة للوصول إلى الحكم الشرعي من دليله الشرعي، ومعنى القاعدة أن الاجتهاد يكون في المسائل التي لم يرد في الشريعة نص صريح بشأنها، أما ما ورد النص الصريح بحكمه فلا يجوز الاجتهاد فيه، فمثلاً ورد النص بتحريم الربا فلا يجوز الاجتهاد في حله، وورد النص بأن للذكر مثل حظ الاثنيين في الميراث فلا يجوز الاجتهاد بإعطاء الذكر مثل نصيب الأنثى.

قاعدة: اليقين لا يزول بالشك

       اليقين لغة قرار الشيء، واصطلاحاً حصول الجزم بوقوع الشيء أو عدم وقوعه، وينزل الظن الغالب منزلة اليقين في الحكم، أما الشك فمعناه في اللغة التردد واصطلاحاً تردد الفعل بين الوقوع وعدمه، أي لا يوجد مرجح لأحد على الآخر، فمعنى هذه القاعدة أن الشيء المتيقن لا يزول بالشك الطاريء عليه وإنما يزول بيقين مثله، ومن فروع هذه القاعدة أن ثبوت الدين بذمة إنسان لا يزول إلا بثوبت إبراء الدائن له أو إدائه من المدين، ومن ثبت نكاحه فلا تزول الزوجية عنه إلا بيقين، ومن تملك عيناً بسبب شرعي فلا تزول ملكيته إلا بثبوت ما يزيلها.

قاعدة: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

البينة، على ما هو الشائع عند الفقهاء، هي الشهادة العادلة التي تؤيد صدق دعوى المدعي، والتحقيق أن البينة غير مقتصرة على الشهادة بل تشمل كل ما يبين الحق ويظهره، وهذه القاعدة يؤيدها العقل السليم، لأن ادعاء المدعي خلاف الظاهر، إذ أن الأصل براءة الذمة، فعليه أن يثبت صحة دعواه فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له وإذا عجز عن الإثبات وتقديم البينة على صدق دعواه وأنكر المدعى عليه الدعوى فإنه يحلف اليمين فإذا حلف فلا شيء عليه غير هذا وردت دعوى المدعي لظهور صدق المدعى عليه.

قاعدة: لا ضرر ولا ضرار

الأول: لا يجوز الإضرار ابتداء، أي لا يجوز للإنسان أن يضر شخصاً آخر في نفسه أو ماله لأن الضرر ظلم والظلم محرم في جميع الشرائع، كمن يحفر في داره بئراً أو بالوعة ملاصقة لجدار جاره، أو يبني جداراً يمنع النور عن جاره.

الثاني: لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر وهذا معنى ولا ضرار، إذ على المتضرر أن يراجع القضاء لتعويض ضرره، وعلى هذا فمن أتلف غيره لا يجوز للغير أن يتلف مال المتلف، بل عليه مراجعة المحكمة لتعويضه عن الضرر.

قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات

       الضرورة هي العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء الممنوع وارتكاب المحظور، فهي ظرف قاهر يلجيء الإنسان  إلى فعل المحرم، ومن فروع هذه القاعدة أكل الميتة عند الضرورة، وإجراء كلمة الكفر عند الإكراه الشديد، وإلقاء بعض الحمولة من السفينة المشرفة على الغرق تخليصاً للنفوس من الموت غرقاً، وأخذ مال الغير لدفع الهلاك المحقق عن النفس.

قاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المنافع

      القصد من تشريع الأحكام دفع المفاسد عن الناس وجلب المصالح لهم، والمصالح المحضة وكذلك المفاسد المحضة قليلة، والغالب منها اشتمل على المصالح والمفاسد، وعلى هذا إذا تعارضت مفسدة ومصلحة فإن دفع المفسدة يقدم على جلب المصلحة لأن الشريعة اعتنت بالمنهيات أكثر من اعتنائها بالمأمورات.

 

 

 

 

المراجع:

[1] الأشياء والنظائر لابن نجيم وشرحه للحموي ص22

[2] دو رالحكام شرح مجلة الأحكام للأستاذ علي حيدر ص15